في عالم يضج بالسرعة والضغوط والمشتتات، يصبح الحلم رفاهية، وتحقيقه ضربًا من الخيال، لا لشيء سوى أننا نجهل الآلية الصحيحة لتحويل النوايا إلى واقع.
هذا الكتاب لا يعدك بمعجزات، بل يضع
بين يديك أدوات عقلية ونفسية أثبتت فعاليتها في تغيير حياة كثيرين.
من خلال مفاهيم عميقة مثل "مناقضة العقل" وآلية "أنمو"، سنكتشف كيف نعيد برمجة
وعينا ولا وعينا لنحرك عجلة التغيير من الداخل إلى الخارج.
إنه دعوة صادقة لإعادة النظر في
أحلامنا، لا لنطاردها بشكل أعمى، بل لنبني معها علاقة عقلانية متزنة، تستند إلى
خطط واضحة، واستعداد نفسي ذكي، وسيناريوهات تحفيزية متقنة.
إذا كنت ممن يؤمنون أن التغيير يبدأ من الداخل، فبين يديك خارطة طريق ذهنية وعملية تقودك إلى حيث يجب أن تكون.
وما نَيلُ المطالبِ بالتمنّي.
إن تحقيق الأحلام لا يكون بالتمنّي
فقط، بل يحتاج إلى سعيٍ وجهدٍ ومثابرة. كثيرون ممّن يطمحون لفقدان عدة كيلوغرامات
من أوزانهم، أو تحسين نمط حياتهم، يتخيلون أناقتهم بعد التغيير، ويتحدثون عن تحسين
الذات، دون أن يتخذوا خطواتٍ فعلية.
ومع أن هذه النصائح — مهما اختلفت
أشكالها ومستوياتها — تكاد تختصر تحقيق الأمنيات في التفكير الإيجابي
وممارسة الحلم، إلا أن هذه النظرة التقليدية التي آمنت بالتفكير الإيجابي وسيلة
لصناعة الأحلام، بدأت تتراجع أمام حركة جديدة.
لقد برزت في الآونة الأخيرة حركة
فكرية حديثة، تطرح مجموعة من المبادئ الهادفة إلى تفنيد بعض الأساطير التي
ارتبطت بالتفكير الإيجابي خلال العقود الثلاثة الماضية. وتستمد هذه الحركة
مشروعيتها وفعاليتها من مجموعة أبحاث رصينة في علم التحفيز، امتدت لأكثر من عشرين
عامًا، وترتكز إلى فكرة جديدة وفريدة، وهي:
أن العوائق التي نظن أنها تحول دون تحقيق أهدافنا وأحلامنا، قد تكون في ذاتها مصدر إلهام وتحفيز.
يرى أنصار "إعادة التفكير في
التفكير الإيجابي" أن الحالمين غالبًا لا ينفذون. وأن الانغماس في ممارسة
الحلم وما يصاحبه من مشاعر مرضية ومريحة، قد يخلق في داخلنا شعورًا بالاكتفاء
النفسي، في عالم الأحلام الافتراضي، مما يُوهِن عزيمتنا، ويُضعف طاقتنا، ويُلهينا
عن مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات في أرض الواقع.
قوة التفاؤل.
يستند الإيمان بالتفاؤل إلى مبدأ
جوهري، وهو أن من خلال التطلّع المتفائل للمستقبل وتأمّل جوانبه المشرقة،
نتحفّز للعمل في الحاضر، ونشمّر عن سواعدنا أملاً في إدراك ذلك المستقبل
الأفضل.
وعندما نأتي على ذكر التفكير، فليس
هناك أفضل من التفكير الإيجابي، لا سيّما عندما نظن أنه ليس أمامنا خيار آخر.
فالتشاؤم لا طائل منه، وتوقّع الأسوأ لا يجدي نفعًا، ونحن نؤمن بالمقولة الشائعة:
"احلم... تفعل."
مع أن التاريخ مليء بالقصص والأخبار
التي تُظهر كيف ذهبت أحلام الحالمين وآمال المثاليين أدراج الرياح.
أنواع التفاؤل.
ثبت عبر الزمن أن التفاؤل لا ينحصر
فقط في اللحظة الراهنة، بل ينطبق على المستقبل أيضًا. وقد سلّط الباحث
"جيس" الضوء على نوعين مختلفين من التفاؤل:
1.
التوقعات الإيجابية
النابعة من خبرات الماضي.
2. الأفكار والتخيلات التخيلية المرتبطة بآمالنا الدفينة وأحلامنا الكامنة.
عندما تنفصل الأحلام عن الماضي.
يتساءل علماء النفس: هل تؤثر الأحلام
والتطلعات الإيجابية التي تنشأ بمعزل عن خبرات الماضي بشكل سلبي على دافعيتنا
واستعدادنا للسعي في الحاضر؟
وقد أظهر كل من "ألبرت
باندورا" و"مارتن سليجمان" العلاقة الوثيقة بين التوقعات
الإيجابية وأداء الأفراد؛ إذ أثبتا بالأدلة العلمية أن التوقعات تؤثر
بشكل كبير في تحفيز الجهود، ومضاعفة الأداء، مما يؤدي إلى تحقيق
الإنجازات.
ومن ناحية أخرى، أظهرت مجموعة من
الدراسات أن الأشخاص الذين يُقيّمون احتمالات نجاح توقعاتهم بناءً على خبرات
الماضي، تزداد ثقتهم وتمسكهم بتلك التوقعات، ويترافق ذلك مع مساعٍ
أكثر جدية لتحقيقها، ولهفةٍ أكبر لإنجازها بسرعة.
فهل يمكن لتخيل شيء ما أن يزيد من
احتمالات حدوثه في الواقع؟
أو بعبارة أخرى: هل تمتلك الأحلام
المنفصلة عن الواقع وخبرات الماضي نفس القدر من الفاعلية والتأثير الذي تملكه
الأحلام الواقعية المرتبطة بالحاضر؟
لقد كان الاعتقاد الأولي أن الإجابة: نعم. فمن الممكن أن
يحدث ذلك. ولم يكن هناك ما يدعو إلى التفرقة بين الأحلام والتوقعات
من ناحية تأثيرهما على النفس والسلوك؛ فكل أنواع التفكير الإيجابي — سواء كانت أحلامًا
أو توقعات — بدت متشابهة دائمًا في تأثيرها.
وللتحقق من ذلك، أُجريت دراسة شملت
مجموعة من الأشخاص ذوي الوزن الزائد، المنخرطين في أحد برامج التنحيف.
في بداية البرنامج، سُئل المشاركون عن
مقدار الوزن الذي يطمح كل منهم إلى خسارته، ومدى إيمانهم بقدرتهم على تحقيق هذا
الهدف.
بعد ذلك، طُلب من المشاركين أن يكتبوا
بعض السيناريوهات والافتراضات المحتملة لنهايات مختلفة؛
فعلى سبيل المثال:
- طُلب
من بعضهم تخيّل ما الذي قد يحدث إذا نجحوا وتخلّصوا من الوزن الزائد.
- بينما
طُلب من البعض الآخر تخيّل ردود أفعالهم في حال واجهوا إغراءات
قد تدفعهم لكسر حميتهم الغذائية.
نتائج التجربة: عندما لا تكفي الأحلام.
بعد عام واحد من إجراء التجربة، جاءت
النتائج مفاجئة إلى حدّ كبير. فقد حقّق المشاركون الذين تبنّوا تصوّرات
إيجابية قوية تجاه مستقبلهم—بمعزل عن تجاربهم السابقة—نتائج أقل من المتوقع.
هؤلاء المشاركون، الذين تخيّلوا
أنفسهم في هيئة أكثر نحافة، وشعروا بالحماس لليوم الذي سيتمكنون فيه من
ارتداء ما يشاؤون، والتصرّف بحكمة أمام الإغراءات الغذائية، فقدوا وزنًا أقل
بمعدل 24 رطلاً مقارنة بأولئك
الذين كانت تصوّراتهم أكثر واقعية وأقل مثالية.
بمعنى آخر، فإن من تبنّوا تصوّرات
حالمة دون ربطها بالواقع، أظهروا معدلات طاقة وتحفيز أقل بكثير من نظرائهم،
مما أدى إلى تراجع ملحوظ في مستوى إنجازاتهم ضمن البرنامج.
ومن هذا يتّضح أن الأحلام وحدها لا
تكفي لتحويل الأهداف إلى واقع، بل قد تكون أحيانًا سببًا في إعاقة تحقيقها.
عشرون عامًا من المتابعة والبحث.
لقد أمضى الباحثون العشرين عامًا
التالية في دراسة وملاحظة سلوك الأفراد من مختلف الأعمار، وفي سياقات متعددة،
ومن دول متنوعة، لا سيما ألمانيا والولايات المتحدة.
ورغم تباين التجارب، وتنوع المناهج
والأساليب، إلا أن النتائج كانت متطابقة تقريبًا في كل مرة:
الأحلام والتخيّلات الإيجابية، إذا
كانت منفصلة عن التقييم الواقعي للخبرات الماضية، لا تتحوّل إلى دوافع حقيقية
للسعي والعمل الجاد، بل قد تؤدي إلى الركون والمماطلة.
الأحلام: ما بين الحقيقة والأوهام.
ما الذي يعيب الأحلام؟
خاصةً حين تكون نقيضًا صريحًا للتفاؤل
القائم على الخبرات الواقعية والتجارب السابقة؟
في إحدى التجارب السلوكية، وبعد مرور
ثلاث دقائق من نشاط تخيّلي، طُلب من إحدى المجموعتين أن تكتب المزيد من الأفكار
الإيجابية المرتبطة بارتداء حذاء ذي كعب عالٍ، وكيف سيبدو مظهرهن، وما
الشعور الذي سيمنحه لهن.
بينما وُجّهت إلى المجموعة الأخرى
تعليمات مختلفة، مثل:
"قد لا يكون
الحذاء ذو الكعب العالي بهذا الجمال. ماذا لو سبّب لك بعض الألم؟ هل سيتناسب مع
مظهرك؟ نرجو تدوين بعض الأفكار والتخيّلات الواقعية المرتبطة بهذه الحالة."
بعد انتهاء الجلسة التخيلية، قمنا
بقياس ضغط الدم الانقباضي للمشاركات أثناء استغراقهن في عملية التخيّل،
باعتبار أن ضغط الدم مؤشّرٌ فيزيولوجي يُظهر مدى تأثّر الجسم نفسيًا وتحفيزه أو
خموله.
كنا نريد أن نعرف: هل
للتخيّل الإيجابي أثر محفّز؟ أم أنه، في بعض الأحيان، قد يُضعف الطاقة ويؤثر سلبًا
على الأداء؟
النتائج كانت واضحة:
- قبل
التجربة، كانت قراءات ضغط الدم متشابهة بين المشاركات.
- لكن
بعد التمرين التخييلي، انخفضت قراءات ضغط الدم لدى المشاركات اللاتي
قمن بتخيّل أنفسهن بإيجابية وهنّ يرتدين الأحذية ذات الكعب العالي.
- أما
المجموعة التي استُحثّت على التفكير الواقعي والنقدي، فلم تتغيّر قراءات ضغط
الدم لديها.
بمعنى آخر: ثلاث دقائق فقط من التخيل
الإيجابي كانت كفيلة بخفض التحفيز البدني والنفسي للمجموعة الأولى.
فما بالك بمن يستغرقون في أحلام
وردية طويلة المدى، بعيدة عن الواقع؟
حين تتحوّل الأحلام إلى عائق.
لقد بات من الواضح أن نصيحة "احلم... تفعل" ليست صحيحة على إطلاقها، كما كنا نظن.
الانغماس في الأحلام المنفصلة عن واقع
الحياة—مهما بدت براقة ومليئة بالأمل—قد يُضعف قدرتنا على العمل الحقيقي
والإنجاز.
لأن هذه الأحلام تُشعرنا بالراحة،
وتُدخلنا في ما يُعرف بـ"منطقة الراحة"، فتوهمنا أننا على مقربة من
تحقيق أهدافنا، بينما نحن في الحقيقة ساكنون في مكاننا.
استباق الأحداث: حين تتحوّل الأحلام
إلى عائق.
الأحلام قد تُوهِن العزائم وتهدم
الطاقات، وهذه حقيقة علمية تُعيدنا إلى التساؤل عن قيمة التخيلات
المثالية التي تولّد مشاعر البلادة والاسترخاء المفرط.
في بداية أبحاثنا، توصّلنا إلى فرضية
مفادها أن الأحلام المرتبطة بالمستقبل تعمل على مستوى اللاوعي، فحين نتخيل
أمرًا مستقبليًا فإن العقل لا يتعامل معه على أنه مجرد خيال، بل يتوهمه واقعًا
محقّقًا، ويتعامل مع تلك التخيلات كبديل عن العمل الفعلي والسعي الحقيقي.
استغراق العقل في الحلم يسرق دوافعنا.
إضافة إلى ما سبق، فالأحلام كثيرًا ما
تسلبنا الإصرار والمثابرة. إذ نجد أنفسنا، بعد تخيّل النجاح، نتكاسل عن خوض التجارب الحقيقية—كأن
نحجم عن حضور المقابلات الوظيفية واحدة تلو الأخرى، لأننا نعتقد ضمنيًا أننا
نعيش بالفعل "وظيفة الأحلام".
وفي اللحظة التي نتصوّر فيها أننا
حصلنا على تلك الوظيفة، نتملكنا مشاعر الراحة والرضا، رغم أن شيئًا لم
يتحقق في الواقع.
تلك المشاعر تؤدي إلى فقدان الرغبة
في العمل، وهو النصر الحقيقي الذي لا بد منه لتحقيق النجاح المنشود.
الأحلام غير الواقعية تضلّل وعينا.
المشكلة الأوسع هنا هي أن الأحلام
غير الواقعية تخلق فقاعة زائفة، تعكّر صفو رؤيتنا، وتدفعنا إلى التعامل مع
الواقع من منظور هشّ وغير دقيق.
فالرؤية المشوّهة تدفعنا إلى البحث
عن معلومات تدعم حالة الاسترخاء والسعادة الوهمية التي اختلقها خيالنا. ومع
مرور الوقت، نستغرق داخل "هالة الأحلام الوردية"، معتمدين على معلومات مغلوطة
ومنتقاة بشكل غير موضوعي، وهو ما يُضعف قدرتنا على التفاعل مع الحياة بشكل
فاعل ومتوازن.
النتيجة؟ قرارات خاطئة، وأهداف
ضبابية، وواقع هشّ لا يمتّ إلى الطموح الحقيقي بصلة.
الجانب المشرق للأحلام.
ورغم ذلك، فإن الأحلام لا تُدان
بالكامل، فهي تمتلك جانبًا مشرقًا لا يمكن إنكاره. فالتخيّلات الإيجابية—عندما
تُبنى على أسس واقعية—تمتاز بقدرتها على:
- درء
المخاوف.
- امتصاص
آثار التجارب القاسية.
- تحفيز
الذات على الاستمرار.
ذلك لأن الأحلام، في جوهرها، هي نتاج
احتياجاتنا وطموحاتنا الكبرى، وهي التي تُشكل هويتنا وتدفعنا لمواجهة الحياة.
الأحلام وتناقض العقل.
بعد أن عرفنا الدور الذي قد تلعبه
التخيّلات الإيجابية المفرطة واحتمال تأثيرها السلبي على طاقتنا وحماسنا، يبرز
تساؤل مهم:
هل هناك طريقة لتحويل الأحلام إلى
محفّز للعمل، والإنتاج، والنجاح؟
أثبتت الأبحاث أن أفضل طريقة
لتحفيز الأفراد على العمل هي منحهم الفرصة لتخيل وتحقيق ما يشاؤون، ثم مواجهتهم
لاحقًا بالواقع وما يتضمنه من صعوبات وعقبات قد تعيق تحقيق تلك الأحلام.
لقد أطلقنا على هذه المواجهة اسم "مناقضة العقل". فإذا استطعنا أن نُخضع أحلامنا لميزان الواقع من خلال هذه المواجهة،
فربما ننجح في دحض دوافع الكسل واللامبالاة، وتحويلها إلى أدوات محفّزة للعمل
الجاد والتقدّم.
دراسة تجريبية: هل تساعد مناقضة
العقل؟
أجرينا دراسة شملت 168 طالبًا من
جامعتين ألمانيتين، وطلبنا منهم
ما يلي:
- ذكر
أهم أمنياتهم الشخصية.
- تقييم
مدى أهليتهم لتحقيق تلك الأمنيات بالنسبة المئوية.
بعد ذلك، كتب كل مشارك أربع كلمات
إيجابية (مستقبلية) مرتبطة بتحقيق حلمه، وأربع كلمات سلبية (واقعية)
مرتبطة بالعقبات التي تقف في طريقه.
ثم طُلب من مجموعة من الطلاب ممارسة
استراتيجية "مناقضة العقل"، وذلك بتخيل كلمة إيجابية ثم كلمة سلبية، والتبديل بينهما
مع تدوين كل ما يخطر ببالهم في تلك اللحظة. أطلقنا على هذه المجموعة اسم "مجموعة المناقضة
العقلية"، ووفّرنا لها كل ما تحتاجه من وقت ومساحة للتدوين وابتكار
السيناريوهات المختلفة.
أما المجموعات الأخرى، فقد تم تقسيمها
كالتالي:
- المجموعة
الثانية:
تخيلت فقط
الكلمات الأربع الإيجابية وركزت على الهدف.
- المجموعة
الثالثة:
اقتصرت على
تخيل الكلمات السلبية الأربع المرتبطة بالواقع والعقبات فقط.
- المجموعة الرابعة: مارست الاستراتيجية بالعكس؛ فبدأت بالكلمات السلبية تليها الإيجابية، مع التبديل بينهما.
نتائج التجربة.
في نهاية الدراسة، طُلب من جميع
المشاركين:
- التفكّر
في أمنياتهم ومخاوفهم الشخصية.
- تقييم
مدى تحفيزهم وحماسهم تجاه أهدافهم.
- وبعد
أسبوعين، أرسلنا إليهم استبيانًا يرصد الخطوات التي اتخذوها لتحقيق
أحلامهم، مع التركيز على أصعب خطوتين قاموا بهما وتاريخ إنجازهما.
لكن النتائج جاءت مفاجئة وخلافًا
لتوقعاتنا؛ إذ لم تُحدث مناقضة العقل حافزًا كبيرًا كما كنا نظن. فقد أبدى عددٌ
قليل فقط تحفيزًا فعليًا للتحرك وتحقيق أهدافهم بعد انتهاء التجربة.
ويُعزى هذا التفاوت في النتائج إلى درجة
الإيمان الأولية لدى المشاركين بأهليتهم لتحقيق النجاح.
فقد أظهر:
- أن
الطلاب الذين أسّسوا توقعاتهم للنجاح على خبرات سابقة واقعية كانوا
أكثر تحفيزًا وطاقة من غيرهم.
- أما
أولئك الذين شككوا في قدراتهم وأعطوا تقييمًا منخفضًا لأهليتهم في بداية
التجربة، فقد انخفضت مستويات حماسهم وطاقة الإنجاز بشكل ملحوظ، مما
انعكس سلبًا على خطواتهم التنفيذية لتحقيق أحلامهم.
نتائج التجربة: متى تنجح مناقضة
العقل؟
بناءً على النتائج التي تمخّضت عنها
هذه التجربة، ثبت لنا أن مناقضة العقل تُعدّ أداة تحفيزية فعّالة، بشرط أن تقترن
بتوقعات إيجابية واقعية تستند إلى خبرات الماضي والحاضر.
ذلك أن الإنسان لا يكون دومًا في ذروة
استعداده الذهني والنفسي لتحقيق أمنية ما، خاصة إن كانت احتمالات تحققها ضئيلة
أو غير واقعية. وهنا يبرز سؤال جوهري:
أيهما أفضل؟
أن تستنزف طاقتك في محاولات يائسة
لتحقيق حلم يكاد يكون مستحيلًا؟
أم أن تدير له ظهرك وتوجّه تركيزك نحو
أحلام أكثر واقعية وقابلة للتحقيق؟
في النهاية، الأمر لا يتعلق بمطاردة
الأحلام فقط، بل بـمطاردة الممكن منها، والعمل على تحويله إلى واقع فعلي.
اللاوعي والإدراك الواقعي.
نحن نرى أن عملية "مناقضة
العقل" تستمد قوتها وتأثيرها من قدرتها على خلق روابط بين الواقع
والمستقبل، مما يدفعنا إلى الاستعانة بخبرات الماضي لتكون بمثابة دليل
واقعي لتحقيق الأمنيات.
ومن المهم أن نفهم جيدًا ترتيب
الخطوات في هذه العملية. فقد ظنّ البعض أن الأفضل هو أن نبدأ بالأحلام أولًا
ثم ننتقل إلى الواقع، لكن الأبحاث أثبتت أن الترتيب المعاكس هو الأجدى:
ابدأ بتذكّر الواقع أولًا، ثم الحلم.
لنأخذ المثال التالي:
إذا تلقى الطالب دعوة لحضور حفل، ثم
فكّر بعدها في اجتياز اختبار الفلسفة بتقدير ممتاز، فإن تفكيره سينحصر في الحفل:
"ما الأطعمة التي
سيُقدِّمها المضيفون؟"
"من سيكون حاضرًا؟"
وسيُهمل تمامًا التفكير في واقع
الدراسة، مما قد يؤدي إلى تأجيل أو حتى إلغاء فكرة اجتياز الاختبار، لأنه
لم يربط بعد بين الواقع والحلم.
أما إن بدأ الطالب بالتفكير في
الاختبار أولًا، ثم في الحفل، فسيكون له تصور مختلف كليًا؛ إذ ستنشأ روابط ذهنية تربط
بين الحلم والواقع، وتخلق حالة من الوعي اللاشعوري بالعقبات والفرص.
كيف يعمل اللاوعي لصالحنا؟
حين تتكوّن الروابط الذهنية بين الهدف
والواقع، ويبدأ الإنسان في ترسيخها في عقله الباطن، يصبح من الصعب عليه أن يحلم
دون العودة تلقائيًا إلى الواقع. هذه العودة التلقائية تعمل بمثابة محرّك داخلي قوي يدفعه للعمل
والإنجاز.
وفي هذه اللحظة، يبدأ العقل اللاواعي
في:
- دفع
الشخص للعمل الجاد.
- تذكيره
بالعقبات الواقعية.
- حثّه
على البحث عن أدوات وخطوات جديدة لتحقيق حلمه في أقرب وقت ممكن.
هنا يتضح التأثير القوي لاستراتيجية
"مناقضة العقل" على العقل الباطن، وما تنتجه من تغيّرات ملموسة في
السلوك والتحفيز.
لكن في المقابل، إذا كانت الروابط
الذهنية بين الواقع والمستقبل ضعيفة أو مفقودة، فإن التفكير في الأحلام سيكون
مجرد هروبٍ عاطفيٍ مؤقت، دون أي أثر فعلي على الواقع. ولهذا، لا عجب أن
يعجز كثير من الناس عن تحقيق أحلامهم، رغم وضوح رؤيتهم وتحديد أهدافهم.
نوايا التنفيذ: عندما تتحول الأحلام
إلى خطط فعلية.
تُعد نوايا التنفيذ من الأدوات
الفعالة التي تساعد الإنسان على استثمار دوافعه وأحلامه وتحويلها إلى أفعال
ملموسة. وقد أكدت الأبحاث، وخاصة دراسات جولويتزر، على وجود علاقة
وثيقة بين صدق النية وتحقيق الهدف.
إذ ما إن يعقد الإنسان العزم ويعاهد
نفسه على بلوغ غاية معينة، فإن صياغة خطط محددة وصارمة تصبح واحدة من أقصر
الطرق لتحقيق النجاح وتجاوز العقبات.
فالتخطيط هو من أقوى أدوات ضبط
النفس، وله تأثير كبير في تحفيزنا على المثابرة، حتى في مواجهة
التحديات.
ومع مزيد من الأبحاث، توصّل جولويتزر
إلى أن "نوايا التنفيذ" تصبح أكثر تأثيرًا حين تُصاغ على شكل سيناريوهات
محددة، مثل:
"إذا واجهت الموقف (س)، فسوف أستخدم الخطة (ص)."
التشغيل المسبق للعقل الباطن.
على غرار آلية "مناقضة العقل"، تعمل نوايا التنفيذ في العقل الباطن بشكل يفوق التوقعات؛ إذ تهيئنا ذهنيًا للتصرف الإيجابي مسبقًا. أي أنها تمثّل نوعًا من التدريب العقلي المبكر، عبر تصور الصعوبات والعقبات المتوقعة والفرص الممكنة.
دراسة حالة: "هاني" ومديره.
يعاني "هاني"، مدير
العلاقات العامة، من توتر في علاقته بمديره المباشر. يصف هاني المشكلة بأنها قلق
مفرط يسبقه دائمًا عند لقاء المدير.
لكنه قرر التصدي لذلك بوضع خطة:
عند أول شعور بالتوتر، يقوم
مباشرة بتسجيل هذه المشاعر وتحليلها، ما يساعده على تهدئتها. وهكذا تصبح بداية
نوبة القلق بمثابة منبّه داخلي يرسل إشارات إلى عقله ليتولى مهمة
التهدئة تلقائيًا.
هذا يعني أن "هاني" لم يعد يتخذ
قرار التهدئة بوعي عند مقابلة
مديره، بل أصبح الاستجابة تلقائية.
وهنا يظهر دور نوايا التنفيذ،
التي تدعم الجهد الواعي لتحقيق الهدف، وتحفّز الاستجابة الفورية والفعالة.
الابتكار الأساسي: أنموذج تغيير
الواقع.
تُعتبر نوايا التنفيذ بمثابة نموذج
عملي يمكن تطبيقه مع مختلف الأمنيات، سواء كانت:
- صغيرة
أو كبيرة.
- قريبة
أو بعيدة.
- سهلة
أو صعبة.
- أو
حتى شبه مستحيلة.
يتكوّن هذا النموذج من أربعة عناصر رئيسية:
1. الأمنية
ابدأ بتحديد الأمنية التي تسعى
لتحقيقها.
قد تكون هذه الأمنية تحديًا شخصيًا
كبيرًا، ولكنك ملتزم بتحقيقه يومًا ما. المهم أن تكون واضحة وجلية أمام عينيك.
2. الدافع.
فكر في الفوائد والمكاسب
المرتبطة بتحقيق هذه الأمنية.
استعرض الأحداث والمشاعر المتوقعة، وتعايش
معها، أغمض عينيك وتأملها بعمق حتى تتشبّع بها نفسيًا.
3. العوائق.
نادراً ما تسير الأمور كما نخطط لها.
فما هي العوائق الداخلية أو السلوكيات
السلبية أو العادات القديمة التي قد تقف في طريقك؟
هذا التمرين يساعدك على التعرّف
على ذاتك كعائق محتمل. والمهم هنا هو أن تُبقي هذه العوائق في دائرة وعيك باستمرار لتراقب
تأثيرها على أفعالك.
4. الوسائل والسبل.
كيف يمكنك التغلب على هذه العوائق؟
اكتب قائمة بالأفكار والسلوكيات
الممكنة، واختر منها الأفضل. ثم حدد الزمان والمكان اللذين من المحتمل أن تواجه
فيهما هذا العائق، وصِغ السيناريو بعبارة مثل:
"إذا واجهت العائق (س)، فسوف أتصرّف بالسلوك (ص)."
كرر هذه العبارة مرات عدة حتى تُخزَّن
في اللاوعي وتُصبح جزءًا من استجابتك التلقائية.
تطبيق نموذج "أنمو" في
العروض التقديمية والمواقف اليومية
تجربة تطبيق "أنمو" في عرض
تقديمي.
لنفترض أن مديرك كلفك بتقديم عرض أمام
جمهور كبير.
خصص ثلاث دقائق فقط لتطبيق نموذج "أنمو":
- الأمنية: أن
تقدم عرضًا ملهمًا، يلقى إعجابًا كبيرًا، تنجح من خلاله في إيصال رسالتك،
والتأثير بفعالية.
- النتائج
المتوقعة: تخيّل
أنك بالفعل ألقيت عرضًا ناجحًا. عِش هذه اللحظة بكامل تفاصيلها كأنها تحدث
الآن.
- العوائق: ما
الذي قد يعرقل هذا الأداء؟ رهبة الجمهور؟ قلة الثقة؟ أو عدم الإلمام الكامل
بالموضوع؟
- الوسائل
والسيناريوهات: هنا
تبدأ الحلول في الظهور وتبدأ بصياغة أدواتك:
- "إذا شعرت بالتوتر، فسأستحضر إنجازاتي
السابقة وعروضي الناجحة."
- "إذا وجدت نفسي أتحدث بسرعة، فسأبطئ وتيرتي
ليتابعني الجمهور."
- "إذا نسيت نقطة مهمة، سأكمل حديثي ثم أعود
لها في الختام."
إرشادات عملية لتطبيق نموذج
"أنمو".
1. ابدأ من الآن.
البداية هي الجزء الأهم. فقد تكون
لديك أمنيات جميلة دفنتها الانشغالات أو الخيبات.
ابدأ بأمنيات بسيطة أو قصيرة المدى،
مثل تلك التي يمكن تحقيقها في يوم واحد.
2. طبّقه بمرونة وتنوع.
مارس "أنمو" على أكثر من
أمنية، خلال أوقات مختلفة من اليوم، وفي سياقات متعددة.
اجعل منه عادة يومية، لا مجرد
تقنية لحل مشكلة.
3. أعد ترتيب أولوياتك.
لا تقتصر على الأمنيات الكبرى فقط.
امنح الأمنيات الصغيرة الفرصة لتبرز؛ فقد تكون بوابة لتحفيز أعمق وتحقيقات أكبر.
4. تحلَّ بالصبر والانفتاح.
إذا لم تأتِ النتائج كما توقعت، لا
تتسرع بالحكم على نفسك.
ربما نسيت خطوة من الخطوات الأربع، أو
لم تكن خططك مناسبة، أو بالغت في حجم الأمنية.
في كل الأحوال:
لا تستسلم.
راجع خطتك، عدّلها، وابدأ من جديد
بثبات أكبر.
5. استخدم "أنمو" في المواقف الحرجة.
غالبًا ما نتجنب تطبيق أدوات مثل
"أنمو" وقت الأزمات.
لكن إن جعلتها عادة عقلية يومية،
فستكون أكثر استعدادًا لمواجهتها في اللحظات الحرجة.
6. تخلّص من الضغوط باستخدام "أنمو".
كلنا مررنا بلحظات شعرنا فيها
بالإحباط أو العجز.
في مثل هذه الحالات، ليس هناك أفضل من
إعادة تشغيل العقل وتوجيهه نحو المستقبل بدلًا من الغرق في الحاضر.
تساعدك خطة "إذا...
فسوف..." على التصدي للمواقف الصعبة:
مثلًا:
إذا داهمتك أفكار سوداوية بأنك لن
تنهي دراستك الجامعية، فاستحضر نجاحاتك السابقة، لحظات قوتك، والدعم الذي تلقّيته
من محيطك.
هكذا تتبدد الأفكار السلبية، ويحل
محلها تصميم متجدد.
التطبيق المرن لـ"أنمو" في مواجهة
الغموض.
في بعض الأحيان، قد لا تتضح أمامنا
الرؤية بشأن أمنياتنا أو ما نريده حقًا، خاصة عندما نكون في وسط أزمة أو نبحث عن
إجابة لسؤال مصيري أو حل لمعضلة معقدة.
في مثل هذه اللحظات، يمكننا الاستفادة
من آلية "أنمو"، ليس بالضرورة عبر تطبيق النموذج بالكامل، ولكن حتى باستخدام جزئه
الأساسي: "مُثاقضة العقل"، الذي يتمثل في صياغة سيناريوهات ذهنية مسبقة تعيننا على اتخاذ
القرار أو التعامل مع التحديات بشكل تلقائي وفعّال.
ابدأ مبكرًا، فدراسات متعددة أثبتت أن
استخدام نموذج "أنمو" ساهم في تحسين سلوك الأفراد، لا سيما في ضبط
الانفعالات والتحكم في المشاعر، مما ينعكس إيجابًا على الأداء الدراسي
والحياتي عمومًا.
النجاح من خلال "سؤالين".
نحن الآن على أعتاب طفرة جديدة في
عالم التفكير الإيجابي، تقودنا إلى آفاق أرحب من التغيير الذاتي والسعادة
الحقيقية.
لكن هذه الرحلة تبدأ بالاعتراف بأن بعض
المعتقدات والسلوكيات الراسخة بداخلنا هي ما تعرقل أحلامنا، وتثبّط طموحاتنا،
وتقف في وجه تقدمنا.
إن المواجهة الصادقة مع الذات ليست
سهلة، لكنها ثمينة، وجديرة بالاجتهاد والمثابرة.
فعندما نمتلك مفاتيح أدوات مثل "مُثاقضة العقل" و**"أنمو"**، ستغمرنا طاقة تحفيزية هائلة قادرة على إحداث
تحوّل نوعي في حياتنا وحياة من حولنا.
ستكسر هذه الأدوات قيودنا الداخلية،
وتفتح لنا أبوابًا لاكتشاف إمكاناتنا الكامنة، وتحرير مواطن قوتنا التي أهملناها
طويلاً، وتساعدنا في تغيير العادات والأفكار والسلوكيات التي حدّت من قدراتنا.
سؤالان جوهريان نحو التحوّل.
في رحلتك نحو تحقيق أحلامك، تمسّك
بهذين السؤالين الجوهريين:
1.
ما الذي أطمح إليه؟
2.
ما الذي يعيق تقدمي؟
كرّر هذين السؤالين ما استطعت، فهما
المفتاح لاكتشاف طريقك، وإطلاق قدراتك، وبلوغ السعادة.
وإذا التزمت بهما بصدق، فإن النجاح
سيصبح رفيقك الدائم بإذن الله.
ليس النجاح حكرًا على الأقوياء أو
الموهوبين، بل هو ثمرة الوعي العميق، والتخطيط الذكي، والاستعداد المسبق.
لقد كشف لنا هذا الكتاب أن السؤالين
البسيطين: "ما الذي أطمح إليه؟" و"ما الذي يعيقني؟"، يمكن أن
يغيّرا مصير الإنسان إذا طُرحا بصدق وإصرار.
بين كل أمنية وواقع، تقف قراراتك،
وعاداتك، وأفكارك.
فلا تهدر عمرك في انتظارات غامضة، بل
تَسلّح بـ"مثاقضة العقل"، وانطلق بـ"أنمو"، واستدعِ أحلامك من
ركن النسيان، واجعل منها مشروعًا متكاملاً.
تذكّر دائمًا:
كل حلمٍ قابل للتحقيق إذا ما سبقته
نية واعية وخطة محكمة وقلب لا يعرف الاستسلام.
تعليقات
إرسال تعليق