القائمة الرئيسية

الصفحات

صُنّاع المستقبل: كيف نُنشئ جيلاً من المبتكرين؟ | ملخص كتاب صناعة المبتكرين - توني واجنر

في عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد المعرفة وحدها كافية، بل أصبح الابتكار هو عملة المستقبل.

في هذا الكتاب، "صناعة المبتكرين"، يأخذنا توني واجنر في رحلة داخل عقل وروح الشباب الذين لا يكتفون بالتعلّم، بل يسعون لتغيير العالم.
من خلال قصص حقيقية وتحليلات عميقة، يكشف لنا واجنر كيف يمكن للأسرة، والتعليم، والمجتمع أن يصنعوا من الشغف هدفًا، ومن اللعب إبداعًا، ومن الأفكار واقعًا.
فهل نحن مستعدون لصناعة جيل لا يكرر، بل يبتكر؟


أولاً: مطلوب مبدعون.

يعاني الاقتصاد العالمي حاليًا من حالة ركودٍ متعاظم، نتج عنها ارتفاع في نسبة البطالة، وانقراض معظم وظائف الطبقة الوسطى، مما خلق احتياجًا متناميًا إلى محرّك جديد للنمو الاقتصادي، وهذا المحرك هو الابتكار.

في الماضي، كان يتم تشجيع الابتكار من خلال المنظومة التعليمية القوية، وقوانين حقوق الملكية وبراءات الاختراع، والهيكل الاقتصادي الذي يقدّم حوافز تشجيعية للمخترعين والمبتكرين. أما الآن، فقد صار لزامًا أن تدخل عناصر أخرى إضافية إلى المعادلة.

الابتكار موجود في كل مكان يستخدم فيه الناس طرقًا غير مألوفة لحل مشكلاتهم، سواء أكانت مشكلات محلية أو عالمية، شخصية أو عملية، فردية أو جماعية.
ويمكن أن يكون الابتكار مجرد تحسينات طفيفة أو تعديلات تدريجية في تقنيات، أو منتجات، أو أفكار، أو خدمات حالية، كما يمكن أن يكون تغييرات جذرية تقدّم تحوّلات جوهرية وأساسية ومختلفة تمامًا.

وعندما نفكّر في المنتجات المبتكرة، تتبادر إلى أذهاننا منتجات مثل "الآيفون" أو "الآيباد"، إلا أن الابتكار يمكن أيضًا أن يُستخدم، على سبيل المثال، في إنقاذ الحيوانات المعرّضة لخطر الانقراض، أو توفير الطعام لإغاثة سكان المناطق التي تعاني من المجاعات المزمنة.

يتطلّب الابتكار القدرة على التفكير النقدي، والتعاون مع الآخرين باختصاصاتهم المختلفة والمتنوّعة، والتفاؤل، والنظر إلى العالم من زوايا مختلفة، والميل إلى التجربة، والفضول، وحب الاستطلاع، وممارسة التفكير التكاملي حتى نستطيع رؤية المشكلات وحلّها بطرق غير تقليدية.

 

ثانياً: جيل الابتكار.

يُعتبر جيل القرن الحادي والعشرين جيلًا مثيرًا للجدل؛ فبينما يعتقد بعضنا أنهم ليسوا أذكياء، يرى آخرون أنهم الأكثر ابتكارًا في تاريخ البشرية.
ومهما اختلفت الآراء، فإن الإنترنت جعلت من هذا الجيل جيلًا مميّزًا؛ حيث فتحت لهم أبواب التواصل الاجتماعي على مصاريعها، وأتاحت لهم أدوات تعلّم لم تكن متاحة للأجيال السابقة.

أبناء هذا الجيل يعيشون أحداث العالم بشكل أسرع وأكثر حيوية مقارنة بأي وقت مضى، ويعتبر كثيرون منهم أن الإنترنت معلم أجدر من كثير من المعلمين الذين يقفون أمامهم طوال اليوم.

كما أن أبناء هذا الجيل قلقون بشدّة إزاء مستقبل الحضارة الإنسانية، ويسعون إلى حياة صحية وصحيحة، ويريدون إحداث فارق إيجابي في مجتمعهم المحلي والعالمي، أكثر من رغبتهم في كسب المال.

المشكلة هنا أن كثيرين من جيل الآباء – ممن تتراوح أعمارهم بين الأربعين والستين – يعملون في مؤسسات كبرى لا تتيح فرصًا لهؤلاء المبتكرين.
نحن، كآباء ومربين، بحاجة إلى أن نتفهّم دوافعهم، ونُشبع فضولهم، ونتفاعل مع تطلّعاتهم وشغفهم لتطوير قدراتهم، وأن نُفسح لهم المجال لصُنع المستقبل.

في الماضي، كان يتم اكتشاف المبتكرين بالصدفة بدلًا من "تصنيعهم".
وهناك أمثلة بارزة جدًّا لروّاد قرّروا ترك أفضل الجامعات سعيًا وراء أحلامهم، مثل:

  • بيل جيتس، مؤسس "مايكروسوفت".
  • ستيف جوبز، مؤسس "آبل".
  • مارك زوكربيرج، مؤسس "فيسبوك".

 

لذلك، فالسؤال الذي يجدر طرحه في هذا الصدد هو:
كيف يمكننا توفير التربة الخصبة لهذا الجيل وتنمية قدراته؟

هل الابتكار قابل للتعلّم؟

تستطيع الأسرة والمدرسة والمؤسسات في كل مكان تنمية القدرات والمهارات والعادات التي يتطلبها الإبداع لدى الأجيال الجديدة.
إلّا أن ما يحدث حاليًا هو أن المناخ الأسري، والمنظومة التعليمية، وبيئة العمل في معظم الدول – حتى في الدول المتقدمةتُعرقل المبدعين وتُحبط حماسهم وشغفهم. ولهذا، وجب إحداث طفرة في كل من الأساليب التربوية الأسرية، والمنظومة التعليمية، وعالم الأعمال، خصوصًا أن الجيل الحالي "المتصل إلكترونيًا" و"المتشابك اجتماعيًا" قد ظهرت أمامه محفزات جديدة تمامًا تختلف عن تلك التي كانت تحفز الأجيال السابقة.

فأبناء الجيل الجديد لا يريدون أن يمارسوا أعمالًا لا شغف لهم بها، ولا أن يتبعوا الآخرين ويقلدوهم فيما يفعلون، بل يريدون أن يطرحوا الكثير من الأسئلة، وأن يشغلوا وظائف ومناصب ترضيهم، ليس فقط من الناحية المادية، وإنما أيضًا من ناحية الهدف والرسالة والمردود المجتمعي.

 

من أين يبدأ الابتكار؟

1. اللعب.

تُثبت الأبحاث أن البشر مجبولون على حب الاستكشاف والتجربة والتخيل؛ أي على الابتكار.
وهذا يتحقق من خلال إتاحة الفرصة للعب، سواء للأطفال أو الكبار.
هناك صفة غريبة مشتركة بين كل من:

  • "لاري بيدج" و"سيرجي برين" (مؤسسي جوجل).
  • "جيف بيزوس" (مؤسس أمازون).
  • "جيمي ويلز" (مؤسس ويكيبيديا).

ألا وهي التحاقهم جميعًا بمدرسة مونتيسوري، حيث كان التعليم هناك يتم عن طريق اللعب.
ففي القرن العشرين، أجرى كل من "ماريا مونتيسوري"، و"جان بياجيه"، وآخرون، بحثًا مهمًا حول سُبل التعلّم من خلال اللعب، وقد طبقت مونتيسوري نتائج البحث في المناهج التعليمية التي قدمتها في مدارسها، والتي تنتشر اليوم في جميع أنحاء العالم، محققة نجاحات متمثلة في نجاحات طلابها وخريجيها.

 

2. الشغف.

الشغف حافز فطري ودافع داخلي يشجعنا على مواجهة التحديات، أو نحو الاستكشاف، أو نحو تعلّم شيء جديد، أو نحو إتقان مهارة معينة.

يشير "مالكولم جلادويل" في كتابه الشهير "الاستثنائيون" إلى أهمية الاستمرار في ممارسة عمل ما لمدة عشرة آلاف ساعة بهدف الوصول إلى درجة الإجادة والإتقان، أو ما يسمّيه بـ “الخبرة".

ويعرض جلادويل الظروف التي مكّنت مبدعين مشاهير – أو "استثنائيين" حسب وصفه – من تحقيق إنجازات باهرة، لكنه لم يذكر من بينها الحافز.

إلا أن ما دفع "بيل جيتس" و"ستيف جوبز" إلى تكريس أكثر من عشرة آلاف ساعة في صغرهما للوصول إلى درجة الإتقان لم يكن الأسرة التي تهددهما أو تكافئهما ليسهرا ليلة بعد أخرى لتعلّم كتابة رمز حاسوبي جديد، بل ما حرّكهما وحفّزهما هو شغفهما بما يعملان.

ثالثا: الغاية قبل النتيجة.

دون غاية أو هدف، لن نصل إلى نتيجة.
والغاية المشتركة لدى جميع المبدعين، كما كشفت الدراسات، هي الرغبة في إحداث تغيير إيجابي في العالم.

كتب "دانيال بينك" في كتابه "الحافز" عن أهمية الاستقلالية والإتقان والغاية باعتبارها محفزات ضرورية للإنسان.
فالبشر يبحثون بفطرتهم عن هدف يحققونه، أو قضية أكبر منهم تخلّدهم.

ولهذا، يرفض "بينك" اعتبار الشغف محفزًا كافيًا، لأنه عامل متذبذب تتحكم فيه المشاعر.
ربما كان محقًا إلى حد ما، فالشغف وحده لا يكفي ليكون دافعًا يمكنك من أداء المهام الصعبة.

وقد كشفت الدراسات أن المبدعين يكون لديهم الشغف لتعلّم شيء جديد أو تنفيذ مهمة ما في صغرهم، لكن هذا الشغف يتطور بعد أن يصقله العلم والاستكشاف، ليتحوّل إلى شيء أعمق وأكثر ثباتًا، ألا وهو:
الغاية الكبرى.

 

يا سوسه.. لابرية!

لقد دفع والدا "كيرك فيلبس" ابنهما في طريق الإبداع والابتكار.
عمل "كيرك" على أول "آيفون" تنتجه شركة "آبل"، ويعمل حاليًا في شركة "صن رن"، وهي شركة ناشئة في مجال الطاقة الكهربائية.

تخلّى "فيلبس" عن دراسته، ولاقى دعمًا كبيرًا من أبويه منذ سنوات طفولته، رغم أن مثل هذا الدعم نادرًا ما يتوفر لدى الأبوين.

لم يكن أبواه تقليديين؛ فقد كانا غاية في النشاط والحماس، ويشجعان أبناءهما على القراءة يوميًا، ولكنهما في الوقت نفسه يسمحان لهم باختيار الكتب والموضوعات التي تثير اهتمامهم.
وإلى جانب الوقت الذي يقضيه الأبناء مع الأسرة في مشاهدة التلفاز، كانوا يحظون بوقت خاص يمارسون فيه هواياتهم. ومن هنا، أُتيحت لهم الفرصة للاستكشاف وبناء الثقة بالنفس.

كانت رحلات العائلة تتمحور حول التثقيف التاريخي.
فعلى سبيل المثال: قبل زيارتهم لمدينة معيّنة، كانوا جميعًا يبحثون – في الكتب والإنترنت وغيرها من المصادر المتنوعة – عن معالم المدينة ومهرجاناتها واحتفالاتها ومناسباتها وأحداثها الثقافية.

وعندما التحق "كيرك" بأكاديمية "فيليبس إكزيتر" الإعدادية المتميزة في ولاية "نيوهامبشير"، استأجرت العائلة بيتًا في هذه الولاية، وانتقلوا جميعًا للعيش معه، حفاظًا على التلاحم الأسري والترابط العائلي.

ورغم تميز هذه الأكاديمية، لم يستمتع "كيرك" بمناهجها الجامدة والصارمة والمنغلقة، فترك الدراسة فيها، وانضم إلى برنامج أكاديمي في جامعة "ستانفورد"، تلقى بفضله عدة دروس ومحاضرات متنوعة في مجال الهندسة، بما في ذلك محاضرة عن "التصميم الذكي للمنتجات"، والتي شكّلت لاحقًا مستقبله.

قدمت هذه المحاضرات "لكيرك" فرصته الأولى للعمل الجماعي، كما وضعته في فلك أستاذه وموجهه الفذ "إد كارير"، الأستاذ الاستشاري المتخصص في مجال تصميم المنتجات.

 

رابعاً: التعليم التقليدي مقابل التعليم التمكيني.

التعليم الذي تلقّاه المبدعون في المدارس كان من أهم التحديات التي واجهوها.
ومعظمهم انطلق في مسيرة الإبداع على الرغم من المناهج التعليمية المقدّمة لهم، وليس بفضلها، بما في ذلك أولئك الذين التحقوا بأفضل الجامعات والمؤسسات التعليمية.

ولهذا، إذا أردنا تغييرًا حقيقيًا، فيجب أن نبدأ باجتثاث جذور التعليم التقليدي الذي يقولب عقول الدارسين ويعاملهم معاملة خطّ الإنتاج، ونغرس بدلاً منه تعليمًا تمكينيًا قائمًا على الاستكشاف والتجربة والتعلّم من الأخطاء.

خصائص التعليم التقليدي:

  • يكافئ المنافسة والإنجاز الفردي، بدلًا من التركيز على روح الفريق.
  • الفصول الدراسية التقليدية منظمة لتوصيل محتوى محدد واختبار الطلاب فيه، بدلًا من التركيز على حل المشكلات.
  • يعتمد على الحوافز الخارجية (كالدرجات)، بدلًا من الاعتماد على الدوافع الداخلية مثل الاستكشاف والتمكين.

 

المبدعون الجدد.

يحتاج العالم إلى مبدعين من طراز جديد يبرعون في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات.
ورغم السمعة الطيبة التي تتميز بها جامعات عديدة في المجال العلمي، إلا أنها غالبًا ما تبالغ في تقدير قيمة البحث الأكاديمي، وتؤهل الطلاب لبرامج وشهادات الدكتوراه، وتكافئ الأساتذة الذين يؤلفون ويكتبون في مجالات تقليدية، بينما تُقصي غيرهم.

فعلى سبيل المثال: تُجدد جامعة "ستانفورد" عقد الأستاذ الاستشاري "إد كارير" سنويًا منذ عام 1992، ولم تُثبّته ضمن فريق أساتذتها، رغم نجاحه المذهل في مجال التصميم.

الحقيقة أن الفصول العلمية التقليدية تعجز عن خلق ثقافة الابتكار، وهي الوقود الأساسي الذي يُشعل جذوة الحماس والحافز لدى الأفراد.
بينما يغرس "كارير" هذا الحافز في طلابه من خلال العمل الجماعي وحسّ المنافسة، مما يؤدي إلى تنمية مهارات التفكير الإبداعي، ويشجع الأفراد على المساهمة بخبراتهم – وهما مقومان جوهريان للإبداع غالبًا ما تفشل الفصول التقليدية في توفيرهما.

 

تجربة "كيرك فيلبس" وتسليط الضوء على المبدعين الجدد.

تلقي تجربة "كيرك فيلبس" الضوء على سمات عديدة مشتركة بين المبدعين الجدد.
فرغم أن قصص نجاحهم نادرًا ما تتناول تاريخ تفوقهم في المدرسة والجامعة، فإن أغلبهم قد تحدثوا عن برنامج أكاديمي واحد كان سببًا في تشكيل مسار حياتهم العملية (مثل تجربة "كيرك")، أو حتى تغيّر حياتهم كلها.

 

خامساً: مبدعون اجتماعيون.

أدى الفيض المعلوماتي والاتصالي الهائل إلى تعميق فهم أبناء هذا الجيل، وتسليحهم بمعارف جديدة تشقّ لهم الطريق نحو المستقبل.
فصاروا أكثر وعيًا بالمشكلات البيئية، وأزمات نقص الغذاء والماء، وتفشي الفقر والظلم. ونفس الأدوات التي أعطتهم المعرفة، هي نفسها الأدوات التي سلّحوا بها لتنظيم جهودهم من أجل تغيير العالم.

هذا الميل نحو التغيير يجب ألا نكبحه. بل على العكس:

علينا – كأسرة ومدرسة ومجتمع – أن نشجعهم على تحويل ما يؤمنون به من أفكار ورؤى إلى واقع وأفعال ملموسة.
علينا أن نفسح المجال لقيمهم الجديدة كي تتكلم، وأن نتوقف عن النظر إليهم بوصفهم "مثيري مشاكل" فننبذهم ونستبعدهم؛ بل يجب أن ننظر إليهم بوصفهم "حُلّالي مشاكل"، فنُقربهم ونُدمجهم، ونقودهم إلى غايات، وسلوكيات الولاء، والانتماء، والعطاء.

فالمبدعون والمبتكرون لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بمفردهم، بل امتدت إليهم يد المساعدة من والديهم ومعلميهم الذين فكّر كل منهم بشكل مختلف، لكي يفكر هؤلاء الناشئون أيضًا بشكل مختلف.

 

تجربة زاندر سرودز: شغف بدأ من الشاطئ.

هذا ما يتضح من خلال تجربة "زاندر سرودز"، الذي اكتشف شغفه بحماية سلاحف البحر ذات ليلة على الشاطئ، عندما عنّفته الحارسة البيئية لإزعاجه السلاحف، والتي لم يكن يعلم حتى بوجودها هناك.

سادساً: فاشل متفوق!

ذاع صيت زاندر رودز وهو في سن الحادية والعشرين، وحاز العديد من الجوائز الدولية نظير جهوده في حماية سلاحف البحر المهددة بالانقراض. وقدّم مئات المحاضرات في هذا الشأن في جميع أنحاء العالم، لا سيما في المدارس، ليشرح كيف أن إنقاذ السلاحف مهم للبشرية، وللاقتصاد، وللتوازن البيئي. وفي محاضرة ألقاها في مؤتمر "تيد" العالمي، استعرض بداية اهتمامه بهذا الأمر:

"بدأ الأمر عام 2001 حين كنت في الحادية عشرة من عمري. كنت جالسًا على الشاطئ ليلًا أشعل الألعاب النارية لأبهر أصدقائي، إلى أن خرجت إلينا فجأة سيدة تصرخ، قائلة إن ضوء الألعاب النارية يعمي سلاحف البحر ويعوقها عن العودة إلى الماء. ولأني كنت بصحبة أصدقائي، صرخت فيها أن تصمت.

في الصباح التالي، جاءت إلى منزلنا وتحدثت مع أمي، فأدركت أنني في ورطة كبيرة. وبعد أن رحلت، طلبت من أمي الذهاب إلى هذه السيدة والاعتذار لها، لأنها الحارسة البيئية المسؤولة عن حماية سلاحف البحر في هذه المنطقة. اتجهت إلى منزلها، متوقعًا أن تعنفني، لكنها استقبلتني بحفاوة، وبدأت تحدثني عن سلاحف البحر، تلك المخلوقات المهددة بالانقراض.

أخبرتني أن ضوءًا بسيطًا قد يعترض سبيل كائنات عاشت على هذه الأرض لأكثر من 65 مليون سنة، وهي جزء حيوي من الحياة البحرية. لا أعلم ما الذي حدث لي حينها، لكنني فجأة شعرت بمشاعر غريبة، ووجدت نفسي أسألها: 'ماذا أستطيع أن أفعل لإنقاذ سلاحف البحر؟' فأجابت: 'الشباب لا يهتمون بالسلاحف'.

في تلك اللحظة، عرفت ما عليّ أن أفعله. بدأت بتقديم عروض داخل المدارس (بمساعدة أمي والحارسة البيئية "ليندا")، وتلقيت تبرعًا من إحدى الجمعيات البيئية الصغيرة لمساعدتي في توفير الأدوات التي أحتاجها لهذا الغرض. اشتريت حاسوبًا محمولًا لتقديم العروض، واستعرت جهاز عرض من مكتب والدي، وصممت زيًا للأطفال يرتدونه أثناء شرحي عن سلحفاة البحر، وأحضرت نموذجًا بالحجم الطبيعي لها.

بمساعدة "ليندا"، بدأت أتواصل مع المعلمين وأزور المدارس القريبة من منزلي. لم أكن أتوقع أن يسمح لي المعلمون بدخول فصولهم والتحدث مع طلابهم، لأنني لم أكن طالبًا متفوقًا. لكن عروضي التقديمية أعجبتهم، كما أعجبت الطلاب، خصوصًا أنني كنت في نفس أعمارهم.

بعد ثلاث سنوات، بدأت أفكر في طريقة لتوسيع نطاق مشروعي ليصل إلى المدارس البعيدة. فاهتديت إلى فكرة تأليف كتاب "السلاحف تتحدث"، وساعدتني "ليندا" في توفير الرسوم التوضيحية. طبعنا في البداية خمسة آلاف نسخة، وأرسلناها إلى المدارس في المناطق والولايات التي تعيش سلاحف البحر في مياهها. وبدأت أتلقى منحًا للسفر، فألقيت محاضراتي في العديد من المدارس حول العالم، وترجم كتابي إلى أكثر من لغة، مما شجعني على تأليف المزيد من الكتب، علّها توصل رسالتي إلى الجميع.

 

لولا دعم ومساعدة والدة زاندر والحارسة البيئية، لظلت مهاراته دفينة وغير مستثمرة. فعلى عكس غالبية المبدعين الذين تفوقوا دراسيًا، استطاع زاندر تحقيق كل هذه الإنجازات رغم معاناته في التعلم وتدني مستواه الدراسي. وتوضح والدته ذلك قائلة:

"أتحنا له العديد من الفرص، وقدمنا له كل الدعم لمساعدته على تنمية اهتماماته وشغفه بما يعمل. لكن لا أستطيع أن أقول إن المنظومة التعليمية قدمت له دعمًا مماثلًا. في الواقع، لقد تعلم كل ما هو مفيد في الحضانة، حيث كانت معلمته تؤكد لي أن لكل طفل مهاراته الخاصة، وأننا لم نولد جميعًا بنفس القدرات والاهتمامات. لقد فتحت له المجال كي يتعلم من تلقاء نفسه، ويتجول في المدرسة، وينفذ مشاريعه الخاصة. لكن معلمي السنوات الدراسية اللاحقة أصروا على اتباع أسلوبهم المعتاد مع جميع التلاميذ دون تمييز بين مهاراتهم المختلفة، فكان يعاني من مشكلات في التعلم. كل ما كان يفعله هو الواجبات المنزلية، والمشاريع الإجبارية، والجلوس لساعات طويلة داخل الفصل. كنت متأكدة أنه لو عُرض على طبيب، لتشخصت حالته على أنها (قصور في الانتباه وفرط الحركة)، لكني لم أرغب في كبت روحه الإبداعية".

خلال سنوات دراسته، لم يلحظ أي من معلميه مهاراته في التواصل والإقناع وجمع المعلومات. وفي نفس الوقت، كان يحصد جوائز عديدة، لم تكن من بينها جائزة مدرسية واحدة.

قابل "ليندا" وهو لم يزل في الحادية عشرة من عمره. لم تستخف برؤيته قط، ودائمًا ما ساندته في اهتماماته. ولولا الرسوم التوضيحية التي وفرتها لكتابه دون مقابل، لما نجح المشروع. فلا تسألوني عن رأيي في دور المدرسة في تنمية المهارات الابتكارية لدى الطلاب ورعاية الإبداع، أو في المنظومة التعليمية التي تقدم مناهج مملة وسطحية ومحكومة بآلاف القواعد. كنت أريد أن أُعلّم "زاندر" في البيت، لولا أنه أراد الذهاب إلى المدرسة بهدف التواصل الاجتماعي، وهي نقطة قوته التي تم تنميتها.

يظن معظم المعلمين أن الطلاب المتفوقين هم من يجلسون هادئين في أماكنهم ولا يثيرون الشغب، لكن هذه سمات العقول المملة التي لا تضج بمئات الأفكار. يجب أن يدرك المعلمون أن الطفل كثير الحركة يملك أيضًا ما يستطيع أن يقدمه ويخدم به الآخرين. مهمتهم أن ينقبوا بكل مرونة وتفتح عن المهارة الدفينة داخل كل طالب، وألا يقيّموا الطلاب بناءً على إجابات نموذجية محفوظة لاختبارات موحدة.

كما يجب أن تُبنى المناهج التعليمية بطريقة تشبع فضول واهتمامات مختلف الطلاب.

 

سابعاً: زاندر والطريق نحو الإبداع.

يريد "زاندر" الآن أن يصبح عالم أحياء بحرية. وقد قال لي ذات مرة:
"
أفضل شيء في كوني طالبًا متوسط الأداء في المدرسة هو أنه كان بإمكاني أن أفوت بعض الدروس لأقدّم محاضراتي وعروضي الخاصة في أي وقت. ولكن الجامعة تختلف؛ ففي المدرسة لم أكن أتعلم ما أحب، ولذلك لم أكن أحبها. لكن أدائي يتحسن عندما أُعطى تعليمًا فيما أحب، وعندما أفهم المعلم ويفهمني. دون ذلك، لن أجد حافزًا يدفعني إلى النهوض من فراشي كل صباح".

هناك كثيرون مثل زاندر، خصوصًا في العائلات الفقيرة. وغالبًا ما تُلصق بهم صفات مثل: مفرطو الحركة، مصابون بقصور الانتباه، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها من الوصمات التي تتحول إلى جروح غائرة في نفوس هؤلاء الأطفال. هذه الوصمات لا تكشف عن قدراتهم وإمكاناتهم، ولا ما يحتاجونه لبلوغ النجاح. لكن ما كشفته لنا دراسات الحالة هو أن جميع أبنائنا قادرون على تقديم إسهامات هائلة للمجتمع إذا ما أتيحت لهم الفرصة المناسبة للتعلم والتطور والإبداع.

 

القواسم المشتركة بين الطلبة المبدعين:

  • أُتيحت لهم جميعًا فرصة تجربة مادة دراسية واحدة على الأقل تمثل خروجًا عن المألوف في الدراسة.
  • كان لدى كل واحد منهم قدوة أو معلم (أو أحد الوالدين) ترك أثرًا كبيرًا في حياته. وفي أغلب الأحيان، كان هذا المعلم نفسه مبتكرًا في طريقته بالتعامل معهم.
  • كان لديهم جميعًا أب أو أم شجعهم على السعي لتعلم ما يحبونه، والاستمتاع بما يفعلونه، والثقة برأيهم، حتى لو بدا هذا الرأي – في الوهلة الأولى – خاطئًا.

الإبداع وعلاقته بهرم الاحتياجات.

في ستينيات القرن الماضي، وضع عالم النفس الأمريكي "أبراهام ماسلو" نظريته حول "تدرج الاحتياجات الإنسانية"، أو ما يُعرف بـ "هرم ماسلو".

عند قاعدة الهرم، توجد الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء، ثم يليها في المستوى الثاني الحاجة إلى الأمان. ويمثل هذان المستويان ما يُعرف بالاحتياجات الفسيولوجية أو الجسدية الضرورية للبقاء.

وما إن تُلبى هذه الاحتياجات، ينتقل الإنسان إلى مرحلة الاحتياجات النفسية، كالانتماء والحب، وتقدير الذات. وعندما تتحقق تلك، يصل الإنسان إلى قمة الهرم: تحقيق الذات.

لو كانت نظرية ماسلو دقيقة تمامًا، فربما نتوقع أن يقلق الفقراء على بقائهم الجسدي أكثر من اهتمامهم بإحداث تغيير إيجابي في العالم. ولكن كما أظهرت العديد من دراسات الحالة، فإن الطموح والرغبة في التغيير لا تقتصر على أبناء الطبقات الثرية فقط. فقد وجدنا الكثير من المنحدرين من طبقات فقيرة يطمحون إلى التأثير في العالم، وقد نجحوا فعلًا في ذلك.

 

ثامناً: التعليم والابتكار.

تُوصَف المنظومة التعليمية بأنها "شديدة التحفظ"، وذلك لسبب وجيه: فهدف التعليم ليس إنتاج معارف جديدة، بل نقل المعارف الموجودة إلى الجيل الجديد. لهذا نجد الأساليب التربوية التقليدية تخنق التفكير الحر، وتفسد مناخ الابتكار، وتحطم فضول الطلاب على صخرة التقليد والاتباع.

حتى في أرقى الجامعات، غالبًا ما يتخرج الطلاب وهم يحفظون الحقائق عن ظهر قلب، لكنهم لا يفهمونها، وليس لديهم الدافع للتشكيك فيها، حتى في مجالات العلوم والرياضيات.

ومع اتساع حجم المعارف وسهولة الوصول إليها، لم يعد إتقان مجال واحد أو التخصص في مجال ضيق كافيًا. ولم يعد أبناء هذا الجيل يرغبون في قضاء أعمارهم في حفظ معلومات لا حاجة لهم بها، ولا تساعدهم في الأمور التي يعتبرونها مهمة وذات قيمة.

لذلك أصبح من الضروري أن يتعلم المعلمون من الطلبة، تمامًا كما يتعلم الطلبة من المعلمين. لم يعد أحد يحتكر المعرفة أو طريقة نقلها. الجميع صار يشارك، سواء أكان طالبًا أم معلمًا.

 

إعادة النظر في دور المعلم.

في عالم تحكمه شبكة الإنترنت، تتغير وتتشابك قنوات نقل المعرفة باستمرار. معظم المصادر والموارد التعليمية أصبحت متاحة مجانًا للجميع في كل مكان.
فمشروع مثل "أكاديمية خان"، على سبيل المثال، يتيح أكثر من 3000 درس عبر مقاطع الفيديو في مواد دراسية متنوعة، وجميعها بالمجان.


سلمان خان ونموذج "التعليم بالمقلوب".

في عام 2004، بدأ سلمان خان إعداد مقاطع فيديو ونشرها على موقع "يوتيوب" لمساعدة فتاة من أقاربه في تعلم المفاهيم الرياضية. انتقلت الفكرة على نطاق أوسع حتى تحولت إلى "أكاديمية خان" التي تمكنت الآن من إنتاج آلاف من الفيديوهات التعليمية القصيرة (لا يزيد المقطع عن 20 دقيقة). تغطي هذه المكتبة دروسًا رياضية لمواضيع الرياضيات والعلوم والفولك وعلوم الحاسب، حتى بدأ كثير من المعلمين يوجهون طلابهم إلى المقاطع التي تخدم دروسًا كنوع من الواجب المنزلي لكي يكون الوقت مخصصًا فقط لتنفيذ المشروعات التي تساعد الطلاب على تطبيق ما تعلموه من هذه الدروس في المنزل

يرى "خان" أنه لا داعي لتقسيم الطلاب إلى مراحل دراسية قصيرة، بل يجب أن يتعلموا بالكم والسرعة التي تناسب كلا منهم، فلا ينتقلون إلى الدرس التالي إلا عندما يجيدون ويتقنون في الدرس الذي يسبقه. يشاهد الطلاب مقاطع الفيديو التي تقدم هذه المفاهيم باعتبارها واجباً منزلياً، ثم يذهبون في اليوم التالي إلى المدرسة ليعرضوا ويناقشوا ما تعلموه في هذه الحالة، لن تكون هناك حاجة إلى معلم يشرح لجميع الطلاب بنفس السرعة ونفس المتطلبات، يتمتعون بنفس القدرات.

 

تاسعاً: كلية "أولين" وإعادة تعريف التعليم.

أولين" كلية هندسية صغيرة في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، تضم 350 طالباً. في بداية تأسيسها، عمل الأساتذة بالتعاون مع 30 طالباً على تصميم واختبار منهج تعليمي مبتكر يغرس مفاهيم تأسيس المشروعات وحب الفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية في التعليم الهندسي، ليعكس الممارسات الهندسية العملية الصحيحة. واليوم، نجحت الكلية في تطوير مهنة الهندسة بصفتها مهنة إبداعية تهتم بالآتي:

1- النظر بعين الاعتبار إلى الاحتياجات الإنسانية والمجتمعية.

2- التصميم المبتكر للنظم الهندسية.

3- تحقيق القيمة من خلال المجهود التطوعي والخيري.

في كلية "أولين"، يشترط على الطلاب تأسيس مشروعاتهم وإدارتها في فرق كمطلب أساسي للتخرج. أما المطلب الثاني فهو ضرورة أن يعمل الطلاب في مجموعات لتصميم منتج جديد، أو تقديم خدمة جديدة، بناء على أبحاث السوق واستطلاع رأي العملاء.

تحتفي المدارس والجامعات في معظم الدول بالإنجازات الفردية وتكافئها، دون أن تتيح المجال للتعاون بين الأفراد والإنجاز الجماعي. فيتم تقييم كل طالب بناء على مستوى تحصيله وإنجازاته الخاصة والفردية، وذلك من خلال الاختبارات. وحتى في الأنشطة الجماعية، عادة يتولى طالب أو اثنان معظم المسؤولية، بينما يجلس بقية الفريق دون مساهمة كافية. ففي المؤسسات التعليمية التقليدية، التعاون الجاد والمتواصل ليس مطلباً ملحاً، لا للمعلم ولا للطالب. ما

لكن هذا لا يحدث في كلية "أولين"، حيث التعاون والرؤى المختلفة هما أساس الإبداع والابتكار والتركيز على ضرورة التعاون يبدأ منذ مرحلة القبول، حيث يجب أن ينفذ الطلاب مشروعاً جماعياً كجزء من التقييم قبل الالتحاق بالكلية. كما يتطلب كل فصل دراسي أشكالاً من العمل الجماعي. هذا التعاون والإحساس بالانتماء إلى مجموعة أكبر هو أكثر ما يقدره الطلاب في هذه الكلية. وينطبق الأمر نفسه على الأساتذة.

 

في معظم السياقات التعليمية، يكون التعلم عملية سلبية، فالطلاب يستمعون فقط للمعلم، فيستهلكون المعرفة ولا ينتجونها، وبعد ذلك يسترجعونها من أجل الإجابة عن الاختبارات. عدم استخدامهم للمعرفة التي اكتسبوها وعدم تطبيقها في سياق عملي واقعي يؤدي إلى نسيان قدر كبير منها بمجرد انتهاء الاختبار، فلا يكونون مؤهلين للانتقال إلى المرحلة التالية من تعليمهم.

ولكن في كلية "أولين"، لا يتمحور الهدف الأساسي حول اكتساب المعرفة، وإنَّما حول تنمية المهارات أو الكفاءات المحورية) عن طريق حل المشكلات وتصميم المنتجات المبتكرة. يظل اكتساب المعرفة مهماً، ولكنه يتم حسب الحاجة. فهو وسيلة إلى غاية. ينتقد كثير من المعلمين التقليديين هذا الأسلوب ويصفونه بالنفعي، لكن الأدلة تثبت أن طلاب "أولين مؤهلين تماماً للحياة العملية، وهو أحد الأهداف الأساسية للتعليم، هذا علاوة على تقييم أصحاب الشركات لهم ووصفهم بأنهم يتصرفون ويعملون كما لو كانوا يتمتعون بخبرة خمس سنوات في مجالهم.

 

عاشراً: مدارس مبدعة وآباء مبدعون.

يستطيع أي فرد من أفراد الأسرة أن يشجع أبنائه على الابتكار إذا بدأ بداية صحيحة. لا تزحم جدول ابنك بالاستذكار وحسب. أتح له الوقت والمجال ليلعب. اختر له ألعابًا تحفز الخيال، وشجعه على ممارسة هواياته وميوله، وقراءة كتب، بالإضافة إلى كتب المدرسة التي تعوده على العمل الجماعي. لا تأخذ القرارات نيابة عنه أو تتدخل في تفاصيل حياته. ساعده في تشكيل بوصلته الأخلاقية. أطلع على الثقافات الأجنبية. دعه يجرب. علمه النظام، ولكن أعطاه الفرصة ليتفاعل بشكل تفاعلي.

من ناحية أخرى، في المدارس أن تشجع كل طفل على اللعب والاستكشاف واستخدام التكنولوجيا بالتعاون مع الآخرين. يجب أن تقيد سلوكياته، وأن تبتعد عن أسلوب الحفظ والتلقين، وتدعمه في استكشاف مسارات مختلفة في حياته، حياته، والأهم من ذلك، أن تقضي على فكرة التعليم بالجملة، وتتوقف عن قولبة الطلاب وإنتاجهم في خط إنتاج متشابه، وأن أسلوبًا تعليميًا واحدًا وموحدًا يناسبهم جميعًا.

 

الإبداع في بيئة العمل.

شركة بلا أفكار، كقطار بلا مسار ينبغي أن يتسم أصحاب الشركات بالانفتاح، ويقبلوا التغيير، ويفسحوا المجال للأفكار الجديدة والمبتكرة مهما كان منبعها داخل المؤسسة. كما يجب أن يعلموا أن النظام الصارم والقواعد المتزمتة داخل المؤسسات تقف حائلاً أمام الإبداع. التكيف مع التغيير والمبادرة كلما جد جديد هي القاعدة الوحيدة الثابتة التي لا بد من تطبيقها في أي زمان ومكان، سواء كانت الشركة كبيرة أو صغيرة. تَصَرَّف" شعار لطالما طبقته الجيوش، وهو ما علينا جميعا أن نلتزم به.

علاوة على هذا، لم يعد الشكل القديم للقيادة مقبولاً في عصرنا الرقمي، وصارت القيادة الناجحة للمشروعات والأفكار المبتكرة تتطلب نوعاً مختلفاً من القيادة. لا مكان للهرمية الإدارية ولا للسلم الوظيفي. الإدارة من الآن فصاعداً يجب أن تكون أفقية، لا رأسية، والدور الحقيقي للقائد ليس ذلك الذي يمارسه "فوق المسرح"، وإنما. ذلك الذي يمارسه خلف الكواليس".

 

مبتكرون مغمورون.

ليس ضرورياً أن يكون المبتكرون رجال أعمال أو شخصيات مشهورة مثل: "ستيف جوبز" أو "آينشتاين" أو "أوبرا" أو "ريتشارد برانسون"، بل قد يكونون أشخاصاً يعملون في منظمات وشركات وكيانات صغيرة أو غير هادفة للربح. فهم يتبعون نمطاً من السلوك يتيح لهم ابتكار شيء جديد تماماً وذي قيمة أيضاً، يحدثون به فرقاً إيجابياً في العالم الذي يعيشون فيه.

الابتكار حل ومشكلة في آن. فهو حل لأنك تملك القدرة على رؤية ما لا يراه غيرك، وعمل ما لا يستطيع غيرك عمله. وهو مشكلة لأنه يحتاج إلى استثمار وقتك وجهدك، وإلى تكريس حياتك من أجل قضية واحدة أو ابتكار واحد قد يحدث فرقا في حياتك وحياة مجتمعك الصغير وعالمك الكبير. ولذا ستجد نفسك دائماً كراع لأسرة وأبناء، أو كمرب ملهم ومعلم ومعلم واع، واع أو كقائد ذي رؤية ومدير مسؤول، ملزماً ملزماً بالمبادرة والمساعدة في الاستثمار في كل الناس والأفكار؛ حيث لا يعلم أحد من هو صاحب الفكرة الجبارة، وما هو الابتكار الذي سيقلب الموازين ويحفزنا إلى إعادة النظر في كثير من مسلماتنا التربوية وأنشطتنا الاجتماعية ومشروعاتنا الاستثمارية.

وفي النهاية فإن كتاب صناعة المبتكرين ليس مجرد كتاب، بل دعوة لإعادة التفكير في أسس التربية والتعليم، بل وفي دورنا كأفراد في تشكيل المستقبل.
لقد كشف توني واجنر أن الابتكار لا يولد صدفة، بل يُغذى بالرعاية، الحرية، والشغف.
وإن كنا نطمح لمستقبل مزدهر، فلابد أن نمنح أبناءنا فرصة ليفكروا، ليفشلوا، وليعيدوا المحاولة بطرق جديدة.
فصناعة المبتكرين، في النهاية، هي صناعة الأمل.

تعليقات