القائمة الرئيسية

الصفحات

نحو قيادة أكثر وعياً: دليل إلى التدريب الموجّه المتكامل | ملخص كتاب التدريب الموجّه - جيمس فلاهيرتي

 في عالم يضجّ بالفوضى، ويتسابق فيه الناس نحو الإنجاز والنجاح، برزت الحاجة الماسة إلى وجود من يُرشد، يُحفّز، ويُضيء الطريق للآخرين.

التدريب الموجّه ليس مجرد مهنة، بل هو رسالة سامية تُعانق جوهر الإنسان الباحث عن ذاته، الساعي إلى التغيير، والرافض للجمود.

هذا الكتاب ليس وصفة جاهزة، ولا دليلًا جامدًا، بل هو رحلة عميقة في أعماق العلاقة بين المدرب والعميل، بين الإنسان وقدرته على النمو.
ينقلك بين التحديات الواقعية التي تواجه المدربين، ويمنحك أدوات فعالة، ومهارات عملية، وقيمًا أصيلة تُعيد تشكيل مفهوم التدريب من كونه وظيفة… إلى كونه أسلوب حياة.


التدريب في ثوبه الجديد.
أُطلِقَ مصطلح "التدريب" فيما مضى على تنمية المهارات في مجالات الألعاب الرياضية، والتمرينات البدنية، والبرامج التمهيدية لتأهيل الموظفين. إلَّا أنَّ التغيير والتحسين المستمر قد طال مفهوم التدريب، لتتعمق مدلولاته وتتسع مجالاته وتتَعاظم تأثيراته. لقد انتقلت أدوار التدريب تدريجيًّا إلى الإدارة والقيادة، والتنمية والريادة؛ ليُصبح منهجًا دائمًا للإصلاح والتنمية والإفادة.
يقوم التدريب على مساعدة الآخرين من خلال التوجيه والتمكين، وتصحيح الأخطاء والاتجاهات، وإتاحة الفُرَص، وفتح آفاق جديدة.
ولذا يُعتَبَر التدريب للتمكين والتوجيه الشخصي المباشر أساسًا لبناء القدرات وتوطيد العلاقات، لدى من يَرومون التميُّز في مختلف البيئات، ويطمحون إلى تفعيل واستثمار أفضل الممارسات في عالمٍ تحكمه المتغيرات.

التدريب بشكله الجديد هو التدريب "المُوَجَّه" لشخصٍ معيَّن؛ مُوَجَّه من القائد لكبار مساعديه، ومن المدير لموظفيه.
وهو مُفَصَّل لاحتياجات المتدرِّب الذي نُطلِق عليه "العميل" مجازًا. وهو يختلف جذريًّا عن التدريب التقليدي الذي يعتمد على المدرب ويُستَخدَم لسد ثغرات معرفية ومهارية وفنية.
أمَّا التدريب المُوَجَّه فمحوره المتدرِّب، ويُستَخدَم لسد ثغرات سلوكية وإدراكية وذهنية. ولهذا، فإن المدرب التقليدي يُواجِه مجموعة غير متجانسة من المتدرِّبين، ومعه منهاج تدريبي مُعدٌّ مُسبَقًا، لينقله لهم ويُطبِّقه عليهم.

أمَّا في التدريب المُوَجَّه، فيأتي المدرب أو المدير ليوجِّه المتدرِّب - وهو مدير آخر أو زميل أو موظف - ويُشاركه في تطوير المحتوى والمسار التدريبي أثناء عملية التدريب، فيتركه يَكتشف ويُطوِّر ويُغيِّر بنفسه.

 

نظرية "الأميبا الإدارية".
الأميبا من الكائنات الطفيلية وحيدة الخليَّة، وهي تعيش في المستنقعات. وقد اتخذ العلماء من نشاطها وسلوكها دليلًا على إحساسها واستجابتها للمؤثرات.
ولذا كان من السهل التحكُّم في سلوك الأميبا، إمَّا من خلال لكزها لتبتعد، أو استثارتها بمنحها فتات السكر لتتحرك في اتجاهٍ معيَّن.

وقد كان لنظرية "اللكز وطُعم السكر"، التي اكتشفها "بافلوف" و"سكينر"، أكبر الأثر في دراسة سلوك الطفيليات. وظلَّ هذا الاكتشاف مَثارًا للاهتمام ودليلًا على تفوُّق الإنسان، إلى أن تحوَّل إلى نظرية إدارية؛ حين شَرَع القادة والمديرون والمدرِّبون في التأثير لتغيير سلوك أتباعهم وزملائهم وفِرَقِهم من خلال نظرية "اللكز والتحفيز بالسكر".

هذا في الوقت الذي تخلَّت فيه الغالبية العظمى من علماء النفس عن تلك النظرية، بسبب تباين مستويات التعقيد بين سلوك الإنسان الراقي، وبين سلوك الطفيل البدائي.
ومع ذلك، ما فَتِئ بعض المديرين والمدرِّبين يُصِرُّون على اتِّباع النهج ذاته، غير مدركين أنَّ مساعيهم ستبوء بالفشل، إن عاجلًا أو آجلًا، وذلك للأسباب التالية:

١- يُركِّز طفيل الأميبا على النتائج قصيرة المدى؛ فعندما ينتهي المؤثِّر، ينتكس السلوك.
٢- الإنسان بذكائه ودَهائه الفطري، يمكنه أحيانًا اقتناص العائد دون القيام بالعمل.
٣- تُدْحَض تلك النظرية قدرة الإنسان على المبادرة وتصحيح المسار، وذلك لاختزال جهده في الاستجابة للمحفِّزات والمُثيرات.
٤- تُوهِن نظرية الأميبا من رغبة الإنسان وقدرته على تحقيق الإنجازات في غياب المحفِّزات، الأمر الذي لا يَدَع مجالًا للمبادرة والإبداع والتميُّز في بيئات العمل.
٥- تنتقِص "الأميبا الإدارية" من قدرات الإنسان الابتكارية، عندما يُمنَع من الاختيار واتخاذ القرار، فتتراجع طموحاته، وتنهار إبداعاته، وتتبدَّد طاقاته.

ولهذا تُعتَبَر عقلية "الأميبا الإدارية" أحد أخطر أشكال الترويض والاستغلال والتوجيه الإداري الهدّام. وحيث ثبت عجزها عن تحقيق النتائج المرجوَّة، فقد آن الأوان لنسلك منهجًا أكثر تأثيرًا ونجاحًا وفاعلية، وهو: التدريب المُوَجَّه.. الهادف.

 

ونظرته إلى ذاته واتجاهاته نحو مبادئ تفعيل وتشغيل التدريب تتضمَّن عملية التدريب استبدالًا – أو تعديلًا – لمفاهيم وسلوكيات "العميل"، الشخص موضع التدريب، ونظرته إلى ذاته، وتفاعله مع الآخر، وتحوُّله في رؤية العالم.
تلك النظرة التي يمكن تتبُّعها واقتفاء أثرها من خلال مبدأين، هما:

أوّلًا: اللغة.

تكمن مهمة المدرب في ابتكار لغة يتفاعل من خلالها العميل مع العالم. فاللغة هي الإطار الذي يحكم سلوكنا، ويعكس خبراتنا وعلاقاتنا، ويُضفي قيمةً ومعنًى على حياتنا.
فهي "تجسيد" لواقعنا ومكنون صدورنا. تأمَّل مثلًا كيف تتفاعل الأم مع أبنائها؛ فتجدها تُلقِّنهم إطلاق المسميات على الأشياء والأشخاص المقرَّبين، لتصوغ لهم مفردات لغتهم اليومية التي تُساهم في توسيع عالمهم المحدود.

من هذا المنطلق، على المدرب أن يسأل نفسه: "ما الذي تعكسه – أو تواريه – لغة العميل؟"
فاللغة المشتركة تُيَسِّر مهمة المدرب حين تُقيم جسور التواصل – اللفظي وغير اللفظي – بينه وبين المتدرِّب.

 

ثانيًا: الملاحظة.

يهدف التدريب إلى تغيير الأنماط وتبديل السلوكيات، ومن ثم يتمحور دور المدرب حول اكتشاف الوسيلة الأمثل والأكثر تأثيرًا لتعديل السلوك بشكلٍ يُحقِّق النتائج المرجوَّة.

على الجانب الآخر، ينعكس استيعابنا لبعض المواقف على توجُّهاتنا وسلوكنا في تلك اللحظة.
فحينما ندخل مطعمًا، تنبثق مجموعة من التصرفات التلقائية التي تلائم الموقف، كالبحث عن طاولة شاغرة أو تفقُّد قائمة الطعام.

من هنا، يسهل على المدرب تغيير الأنماط التي يُفسِّر من خلالها العميل العالم من حوله، عن طريق إضافة بعض المدخلات والممارسات الجديدة إلى ذهن العميل، فيرى العالم بمنظور مختلف؛ أي إنَّ التغيير يحدث حين يُصبح بمقدور العميل ملاحظة بعض الأساسيات من حوله، لم يكن في مقدوره ملاحظتها من قبل.

 

مراحل التدريب.

المرحلة الأولى: العلاقات.
ليس من المفترض أن يكون "القبول الشخصي" هو المعيار الأوحد للعلاقات القائمة بين المديرين المدرِّبين وبين زملائهم وعملائهم المتدرِّبين.
يقوم الشكل الأمثل للعلاقة على الانفتاح، والمصارحة، والصدق، والتقدير، والالتزام.
تتشابك وتتضافر تلك المقوِّمات، فيُكَمِّل بعضها بعضًا.
فليس منطقيًّا ولا فعّالًا أن نضع ثقتنا في شخصٍ لا نكنُّ له الاحترام والتقدير!
ومن الصعب أن نُصَارِح من لا نثق به.
ومن المهم أن تتأصَّل تلك المقوِّمات لدى الطرفين، ليثق، ويحترم، ويُصَارِح كلٌّ منهما الآخر، وهو ما تعكسه سمة "العلاقة التكاملية أو التبادلية".

الثقة المتبادلة.

لكي نُقَيِّم مدى جدارة الطرف الآخر بثقتنا، لا بد من خطوتين:

تتحقَّق الأولى بتحديد المجال أو النطاق الذي يكون فيه هذا الشخص جديرًا بالثقة.
فليس معقولًا ولا مقبولًا أن نبحث عمَّن هو جدير بالثقة في شتَّى مجالات الحياة.

بعد أن نُحَدِّد المجال، ننتقل إلى الخطوة الثانية، وهي تقييم سلوكيات الشخص على صعيدين:

الأول: مدى صدقه وإخلاصه، هل يفي بما يقطعه من وعود؟
الثاني: يتعلَّق بمعايير التخصص، هل يمتلك القدرة والكفاءة التي تُؤهِّله للالتزام بتلك الوعود وتنفيذها؟

ومن هنا، يلعب الإخلاص والكفاءة دورًا بارزًا في تقييمنا لجدارة بعض الأشخاص بثقتنا.

الاحترام المتبادل.

يقوم الاحترام على تقبُّل الآخر، أيًّا كان ما يُمثِّله أو ما يرمز إليه.
وتتراوح مراتب الاحترام ما بين الاستحسان المعتدل والإعجاب التام.

وفيما يتعلَّق بالتدريب، فمن الضروري أن نُبادِل عملاءنا الاحترام، لا سيما في مجال ونطاق التدريب.
في هذه الحالة، نستطيع أن نتأمَّل سلوكياتهم عن كثب، لنُقَيِّم مدى تقبُّلنا – واحترامنا – لهم.

فإن كانوا غير جديرين بذلك، يُمكننا استبعادهم من قوائم عملائنا المتدرِّبين.

 

الصراحة المتبادلة.

يتباهى القادة والمديرون بمدى انفتاحهم وتقبُّلهم لموظفيهم في كلِّ الظروف والأوقات.
وعلى الجانب الآخر، تكون للموظفين آراء مغايرة في هذا الشأن؛ حيث يؤكِّد معظم الموظفين والمرؤوسين تجنُّب الخوض في بعض الموضوعات مع مديريهم.

فكيف للمدرِّبين أن يتجنَّبوا هذا التناقض مع عملائهم؟

شيِّد جسورًا من الثقة مع عملائك، بتوضيح النهج الذي ستتبنَّاه طوال فترة التدريب، والالتزام بهذا النهج.

وطِّد أُسُس الاحترام المتبادل، بإشراك عملائك في عملية اتخاذ القرار، ممّا يعكس حِرصك وتقديرك لآرائهم، بل والتزامك بها.

عزِّز الصراحة المتبادلة، وتجنَّب الأحكام المُسبقة، ونوِّه بالمشاركات والإضافات المثمرة، وعبِّر عن استعدادك للاستفادة من خبراتهم.

 

 

 

 

المرحلة الثانية: المُقَدِّمات.

التوقيت هو العنصر الأهم في عملية التدريب.
اختيار التوقيت المناسب هو الذي يُحَدِّد مصير التدريب بأكمله؛ إمّا الإخفاق أو الانطلاق.

ونظرًا إلى جهل الكثيرين بحاجتهم إلى التدريب والإرشاد والتغيير، فإنّ مسؤولية اختيار التوقيت الأمثل تقع على عاتق المُدرِّب في المقام الأول.
فالإنسان يعتاد بطبعه أنماط وأساليب الحياة اليومية ويتجاوب معها بتلقائيّة إلى أن يُصيبها الخلل.

فمن مثلًا، مَن يشعر بقيمة التدفُّق والانسياب المروري إلا حين يُصيبه الشلل!
بالمثل؛ يتجاهل الإنسان - بقصد أو بدون قصد - حاجته إلى التدريب والإرشاد، إلى أن تسوء الأمور وتخرج عن السيطرة.
هنا يبرز دور المُدرِّب، فيتَصيَّد تلك اللحظات التي نُطلق عليها "المُقَدِّمات"، ليُبادر بتقديم خدماته وإرشاداته.

تخفق بعض جهود التدريب بسبب فشل المُدرِّب في التنسيق بين جهوده وبين اختيار المُقَدِّمات الملائمة.
وربما تُشَكِّل اللحظات التي يفتقر فيها العملاء إلى الالتزام بمهمّاتهم ووعودهم – سواء الشخصية أو المهنية – المُقَدِّمات الأمثل للمُدرِّب، كي يقتحم حياة العميل ويُقَدِّم حُلوله السحرية للخروج من الأزمة.

تخيَّل مثلًا أن ينفجر إطار سيارتك على الطريق ليلة ممطرة، فتتوجَّه إلى صندوق السيارة وتُخرج أدوات الإصلاح لتكتشف أنك لا تُجيد استخدامها!
ألن ينشرح صدرك إذا ما جاء أحدهم تلك اللحظة ليدرّبك على استخدام أدوات الطوارئ؟

يعكس هذا المثال الأهمية القُصوى لاختيار التوقيت الصحيح؛
فلو بادر هذا الشخص بعرض خدماته التدريبية قبل أن تتعرّض لهذا المأزق بساعة واحدة، لكنت قد تجاهلته ومضيت في سبيلك.

بالطبع، تتعدّد وتتنوع المواقف والأحداث التي يكون فيها العميل في أمسِّ الحاجة إلى التدريب أو التدخل العلاجي.
ولكن، يبقى أهم ما في الأمر أن يُتقِن المُدرِّب متى وكيف يُبادر بالتحرُّك.

أنواع المُقَدِّمات.

1.   الأداء الضعيف.

2.   تقارير الدمج أو التقييم السلبي.

3.   نكث الوعود وعدم الالتزام بالمهمات المُسنَدة.

4.   الحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة من أجل الترقية أو الانتقال إلى منصب جديد تمامًا.

5.   مُتطلَّبات العمل، كالحاجة إلى رفع الجودة وخفض التكاليف.

6.   المشروعات المُؤَجَّلة أو المُتَبَاطِئة.

 

المرحلة الثالثة: نماذج التقييم.

تُشَكِّل مرحلة التقييم أهم الخطوات التي يتعمَّق عبرها المُدرِّب في دراسة طباع وخِصال العميل، بشكل يُمَكِّنه من اتخاذ القرار؛
إمّا بالاقتراب أو التراجُع والبحث عن عميل آخر.

ونظرًا إلى أهمية هذه المرحلة، يجب ألا تقتصر على التقييم السَّطحي أو الظاهري، بل تمتدّ إلى دراسة أدق التفاصيل والجوانب المُستَترة، مهما تعمَّقت معرفتنا بهذا الشخص.

فالأمر يُشبِه أن تستشير صديقك الطبيب عبر الهاتف لوصف دواءٍ مُسَكِّن للصداع،
أو أن تذهب إلى عيادته كي تخضع لفحصٍ دقيق يستطيع من خلاله تشخيص الداء ووصف الدواء.

وبالتأكيد، ستُثمر الزيارة عن وصفٍ أدقّ تعجز عنه الاستشارة الهاتفية.
كذلك الحال في التدريب؛ فأيًّا كانت معرفتنا وصِلَتنا بالعميل، لا بد من أخذ الوقت الكافي لتقييم الوضع قبل الشروع في التدريب.

وتتشعّب عملية التقييم إلى ثلاثة نماذج هي:

 

 

 

النموذج الأوّل: مواطنُ الدراسة والمُلاحظة.

المُؤرِّقات المُلحَّة.

هي الأمورُ التي تُؤرِّق العميلَ – إمّا لعواقبِها الحاليّة أو المُحتَمَلة – وتَشغَلُ حَيِّزًا كبيرًا من ذهنِه وتفكيرِه.
ولا يُمكن تشخيصُ هذه المُؤرِّقات إلا بالسؤالِ المُباشرِ والمُواجهةِ الصريحة.

 

الالتزامات والمسؤوليات.

لكلٍّ منّا التزاماته ومسؤولياته التي نُولِيها اهتمامَنا ونُكرِّسُ لها جهدَنا ووقتَنا، لأهميَّتها وأولويَّتِها.

يسعى بعضُ المُدرِّبين إلى اكتشافِ الالتزامات بمُراقبة النشاطات والأعمال التي تستحوذ على الجزء الأكبر من وقتِ العميل وجهدِه ومالِه.
ولكن، ربّما تَقبَعُ التزاماتُهُم الأكثر إلحاحًا بمنأى عن ذلك.

كذلك، قد يَشقُّ علينا أن نُصدِّق بعضَ الأشخاص الذين يُعبِّرون عن التزامِهم بشيءٍ قد لا نجد له أثرًا ملموسًا في الواقع.

فحين يتحدّث شخصٌ بدين – مثلًا – عن التزامِه وحرصِه على فقدان الوزن، تأبَى عقولُنا أن تقبل هذه الحقيقة،
نظرًا إلى التناقُض بين ما يقوله وبين ما نراه!

ربّما يكون بالفعل مُلتزمًا تجاه هذا الهدف، إلّا أنّ محاولاتِه تبوءُ بالفشل لاتباعِه نظامًا غذائيًّا غير ملائم، أو لحصولِه على التوجيه والإرشاد الخاطئ.

لذا، يجب ألّا نكتفي بالمظاهر،
بل نستوعب نوايا العُملاء، ودوافعهم التي قد لا تكون بارزة، كي نكتشف العنصرَ المفقود ونُقرِّبهم من أهدافهم، بدلًا من اتّهامهم بالعجز والقصور.

 

 

الأهداف المُستقبليّة.

ما الأهدافُ التي يسعى العميلُ إلى تحقيقِها؟
تُفسِّر أهدافُ ونوايا المستقبل دوافعَ وسلوكياتِ الحاضر، فتكون النتيجة مزيدًا من الفهم والاستيعاب، واكتشاف نقاطِ الضعف ومواطنِ القوّة.

 

الخلفيّة الشخصيّة والثقافيّة.

لكلِّ إنسانٍ تاريخُه الخاصُّ من التفاعلات – سواءٌ مع الأفراد أو الظُّروف   والتي تُؤثِّر على استجابتِنا وردودِ أفعالنا تجاه المواقف المختلفة.

تلك الفروق الفردية والفريدة هي التي تُشكِّل هويّتنا وتَصوغ علاقاتِنا بالعالم.

فلا عجبَ أن تختلف استجاباتُ الأمريكي عن الياباني عن العربي، حتّى وإن تشابهت المواقفُ والظروف.

 

الحالةُ المزاجيّة.

تُعبِّر عن الإطار الوجداني والهالة الشعوريّة التي يعيش في كَنفِها الإنسانُ لوهلةٍ من الزمان.
هذه الهالة تُضفي قيمةً ومعنًى على التزامات الحاضر، وتُلقي بظلالها على المستقبل الباهر.

استيعابُ الحالة المزاجيّة هو استيعابٌ للشخص ذاته.
وهنا يَكمُنُ دورُ المُدرِّب في تقبُّل تلك الحالة في وضعها المُجرَّد، دون أدنى محاولةٍ للتعديل أو إضفاء لمستِه الخاصّة عليها.

الهالات "المزاجيّة" للمؤسّسات.

يكتظُّ عالمُ الأعمال بالحالات والهالات المزاجيّة المُعقَّدة.
تفرضُ تلك الهالات نفسَها على الواقع بشكلٍ يعكسُ سماتِها وعواقبَها السلبيّة،
وهي تنقسم إلى فئتَين:
هالات الأشخاص الذين يشعرون بتفوّقهم وأفضليّتهم على الجميع، وهالات مَن يشعرون بدونيّتهم وتَبَعيَّتِهم للآخرين.

هالات الأفضلية.

التشكُّك.

يَكتسبُ المُتشكِّكون شعورًا بالأفضليّة، اعتقادًا منهم بتميُّز خبراتِهم ومعارفِهم التي تتفوّق على الآخرين.
هؤلاء لا ينفكّون يتباهون بتلك الخبرة، ويُرهقون الآخرين بالأسئلة التي تحمل جانبًا من التشكيك.

من النماذج الوظيفيّة الشائعة للمُتشكِّكين: الصحافيّون، والعلماء، والآباء في مواجهة الأبناء، ورجال التحريات.

السخرية.

هذا السلوك منبثقٌ من الاعتقادِ بضآلة الأشخاصِ والأشياء.
تَعمد هذه الهالة الهدّامة إلى إهانة الآخرين والانتقاص من قدرِهم وتثبيط عزائمِهم.

في بعض الأحيان، تَستحوذ تلك المشاعرُ على أصحابِها لدرجةٍ تجعلهم هم أنفسهم يقعون فريسةً لها.

من أكثر النماذج الشائعة لهؤلاء:
بعض الإعلاميّين الشرسين، والمعلّقين السياسيّين، والمحلّلين، والانتهازيّين الذين يَجنُون قوتَ يومِهم من إبراز نقاطِ ضعف الآخرين.

التسليم بالواقع.

هذا السلوك ناجمٌ عن رفضِ كلّ ما هو جديد.

وتُعَدُّ هذه الهالة من أكثر الهالات خداعًا ومراوغة، نظرًا إلى تَستُّر أصحابِها أحيانًا خلف قناعِ التفاؤل أو الرضا.

لكن، سرعان ما تَتهاوى تلك الأقنعة بمجرد أن تُضطرَّهم المواقفُ إلى اتخاذِ إجراءات قد تَتمخّض عن تَبدُّل الأوضاعِ الحاليّة، أو بعضِ التغييرات السطحيّة.

وتَنتشرُ هذه النوعيّة من السلوكيات في المؤسّسات الحكوميّة والبيروقراطيّة التي لم تَطَلها أيدي التحديث والتنوير والتغيير.

هالات الدونيّة.

الإحباط.

وهو الشعورُ المُتأصِّل بالعجز وعدم القدرة على إحداثِ التغيير وصنعِ الفرق.

الموظّفون المُجتهدون والمُخلصون هم دائمًا الأكثر عُرضةً لمشاعر الخيبة والإحباط،
إلّا أنّهم قلّما يَستسلمون للواقع مهما ازدادت الإخفاقات، بل ويتّخذون من ذلك دافعًا للمثابرة والعزم والإصرار.

من أمثلة هؤلاء:
بعض المعلّمين، والنُظّار في المدارس، والقيادات الحكوميّة، ومحافظو المدن، ورؤساء وأعضاء مجالس البلديّات.

 

السَّخَط.

وهو الشعورُ بالعجز أمام الواقع. وقد تَتملَّك مشاعرُ الحقد هؤلاء الساخطين، فتجدهم يَغيبون عن الأنظار لوهلةٍ إلى أن يجدوا حُلولًا لمشكلاتهم.

تَنعكِس تلك المشاعر السلبيّة على سلوكياتهم، فتجدهم يتباطؤون في أداء واجباتهم، ويَخلطون بين الملفّات والمشروعات.

 

الذنب.

وهو شعورٌ مُؤنِب ومُؤرِّق، ينجمُ عن الإساءة إلى شخصٍ ما، بشكل قد يصعبُ تعويضُه أو إصلاحُه.

ويَمتدُّ الشعورُ بالذنب إلى ثلاث مراحل:
الاعتذار، ومحاولة التعويض، والتأنيب الشخصي.

 

 

النموذج الثاني: مواطنُ القوّةِ والكفاءة.

ينقسمُ هذا النموذجُ إلى ثلاثةِ مواطن:

1- ضبط النفس.

أي القُدرة على الالتزامِ بالوعودِ والوفاءِ بالعُهود.
تَنعكِس هذه القوّةُ على الالتزامِ بالمواعيد، واستيعابِ وتثبيتِ القيمِ والسياساتِ والممارساتِ المؤسسيّة،
وابتكارِ الأفكار بدافعِ الرغبة في التطوّرِ والازدهار.

ومن أهمِّ سمات ضبط النفس:

الخصائص: توَقُّدُ البصيرة، الشغف، الجدارة بالثقة، النزاهة، والشجاعة.
المهارات: دقّةُ الملاحظة، استيعابُ الذات، التماسُك، والتمسُّكُ بالمبادئ.

 

2- العلاقات المتماسكة.

أي القدرةُ على بناءِ جسورِ التواصلِ مع الآخرين، وإقامةِ روابطَ قويّةٍ ودائمةٍ على المدى البعيد.
تشكلُ الصراحةُ والصدقُ جوهرَ العلاقاتِ الناجحة، لما تتيحه من تبادُلِ الأفكارِ والمشاعرِ الإيجابيّة بين كافةِ الأطراف.

الخصائص: التعاطف، الموثوقيّة، الانفتاح، والمصداقيّة.
المهارات: الإنصات، تقبُّل الآخر، روح الجماعة، الإلهام، اكتسابُ الخبرات، والإبداع.

3- الحقائق والثوابت.

أي قُدرتُنا على استيعابِ البياناتِ والعملياتِ والإحصاءاتِ والأنظمةِ والنماذج المختلفة.
ويُعدّ الافتقارُ إلى هذه القدرةِ سببًا في الخللِ التنظيميّ والإداريّ الذي يُصيبُ الكثيرَ من المؤسّسات.

الخصائص: الصرامة، الموضوعيّة، الإصرار، الإبداع، والتركيز.
المهارات: التحليل، التنبؤ، التبسيط، التنظيم، وترتيب الأولويّات.

النموذج الثالث: مقوِّماتُ الرضا والفاعليّة.

مقارنةً بنماذجِ التقييمِ السابقة، يُعتبَر هذا النموذج هو الأبسط والأدق،
وهو مجموعةٌ من المقوماتِ اللازمةِ لكلّ إنسانٍ كي يشعرَ بالرضا، والقناعة، والفاعليّة، والإنجاز.
أهمّ ما يُميز تلك المقومات هو المرونة، التي تُكسبُنا القدرةَ على مُلاءَمةِ الوظائف والمهمات بشتى أنواعها، ومنها:

الحكمة.

أي الانفتاح الذهنيّ الذي يُؤهلُنا لعقدِ المقارنات، وتقييمِ الفروق، واستيعابِ العواقبِ المستقبليّة لتصرُّفاتِ الحاضر.
تمتدُّ هذه السمة لتضمَّ أصحابَ القراراتِ المُتأنّية، وأصحابَ المُجازفاتِ المدروسةِ والمثمرة.

التوازن.

أي القدرةُ على المُوازنةِ ما بين القراراتِ التي تطلبُ مشاركةً وجهدًا جماعيًّا،
وتلك التي تحتاجُ إلى الانسحابِ والتأمُّل الفرديّ.

العزيمة.

الطاقةُ التي تُخوِّلنا لتحويلِ الآمالِ والطموحاتِ والأحلام إلى واقعٍ ملموس.

تهيئة السياقات.

أي القدرةُ على صُنعِ وإدارةِ سياقاتٍ محفّزةٍ ومنجزة.
والسياقاتُ هي مجموعُ العلاقاتِ والتفاعلاتِ والمعاني.
فإن كان هدفُك - مثلًا - أن تُطوِّر الأداءَ التعليميَّ لأبناء الوطن،
يَستدعي ذلك بالضرورةِ سياقًا مختلفًا، مُؤلَّفًا من محتوىً تعليميٍّ هادف،
وعلاقاتٍ متطوّرةٍ وناضجةٍ بين الطلاب والمُعلّمين والآباء، وغيرها من السياقات التي تُسهِمُ في تحقيقِ الهدف الأسمى.

 

 

سَناءُ الخُلُق.

أو الجوهرُ الطيّب، والكرم، والتعاطف، والانتماء.
وهذه من أهمّ المقوماتِ وأبرزِها، وإنْ نَدَرَ ذِكرُها في تقارير تقييمِ وإدارةِ الأداء.

تهدفُ نماذجُ التقييمِ السابقة إلى مساعدتك في دراسةِ العميلِ من مختلفِ الجوانب؛
النفسيّة، والذهنيّة، والعاطفيّة، والمهنيّة، وتقييمِه وفقًا لها.
وكلّما كنتَ أكثر ابتكارًا في توجُّهاتك وتقييمك،
كلّما تَفَتَّحت أمامك الآفاقُ والإمكانات.

وهكذا تزدادُ براعتُك كمدرِّب في تفسيرِ السلوكيات، وإرساءِ المقدمات، وابتكارِ الآليّات.

 

مبادئُ مؤثِّرةٌ لملاحظةٍ مُثمرة.

تُخفقُ بعضُ محاولاتِ المُدرِّبين في التقييم، إما لعدمِ توافقها مع السلوكياتِ والأنماطِ التي تنبثقُ عنها الملاحظات،
أو لعدمِ تأطيرِ احتمالاتِ التحدِّي والمقدِّماتِ الممكنة.
ولذا، نقدِّمُ بعض المبادئ العمليّة من أجلِ استخدامٍ مثمرٍ وفعّال لنماذجِ التقييمِ السابقة:

لاحِظْ عميلَك في مختلفِ المواقف، وتعمَّقْ في أنماطِه وأساليبِه اللغويّةِ والسلوكيّة،
وتجنّبِ الأحكامَ المتسرّعةَ قدرَ الإمكان.

ابتعدْ عن الاستنتاجاتِ القائمةِ على الذاكرة، وتشبَّثْ بالملاحظاتِ الواقعيّةِ المؤكَّدة.

واجِهْ عميلَك ببعضِ الأسئلةِ لاكتشافِ المزيدِ عن شخصيّتِه وجوانبِها المُستترة،
لا لمقارنتها باستنتاجاتِك وملاحظاتِك.

قَيِّمْ فاعليّةَ نماذجِ التقييمِ التي تتبنّاها لتفسيرِ السلوكياتِ التي لاحظتَها بالفعل،
ثمَّ حاولْ التنبّؤَ بسلوكياتِ وردودِ أفعالِ العميلِ المُستقبليّة، مع الإبقاءِ على علاقتِكما دائمًا طيِّبة.

أعدْ النظرَ في نماذجِ التقييمِ من حينٍ إلى آخر، وتذكَّرْ أنَّه مهما ازدادتْ دقّتُها،
فلا يزالُ هناك الكثيرُ من الأسرارِ التي يُخفيها عنك العميل، والتي ستكتشفُها بمرورِ الوقت.
الأهمُّ من ذلك أن تتّخذ من تلك الأسرارِ نقطةَ انطلاقٍ تدفعُكما معًا نحو آفاقِ التغييرِ الشامل.

المرحلة الرابعة: الاندماج.

تعتمدُ هذه المرحلةُ على رسمِ الخطوطِ العريضة، بدايةً من اتفاقِ الطرفين على النتائجِ المتوخّاةِ من البرنامجِ التدريبي،
ووصولًا إلى التعبيرِ عن التزامِ كلِّ طرفٍ بدوره المحدَّد في البرنامج.

فالأمرُ أكبرُ من مجرّد: "هلمَّ بنا نبدأُ البرنامج"،
إنما هو حوارٌ مشترك تتخلّلُه تفاصيلُ الظروفِ المحيطة، وإمكاناتُ كلٍّ من المدربِ والعميل، وغير ذلك من الاعتبارات.

حتى هذه اللحظة، يتحمّلُ المُدرّبُ على عاتقِه معظمَ المهامّ ما بين الملاحظةِ والتقييمِ والبحثِ عن المقدِّمات.
ولكن من الآن فصاعدًا، تتوزّعُ المهامُّ والمسؤوليّاتُ بين الطرفين.

وتُعتبَرُ المصارحةُ حول العقباتِ المحتملة من أهمِّ مقوِّماتِ الاندماج، ومن ثمَّ النجاحِ التدريبي.

ولا بأسَ أن تخضعَ الأهدافُ والنتائجُ المرجوّة، وكذلك التزاماتُ الطرفين، لبعضِ التعديلاتِ التي قد تفرضُها المتغيّراتُ والمعرقلاتُ أثناءَ سيرِ البرنامج.

كما يستطيعُ المدربُ تقديمَ بعضِ المعلوماتِ ذاتِ الصلة، كالفترةِ الزمنيّةِ التي يستغرقُها أحدُ الأنشطة،
أو بعضِ النصائحِ والترشيحاتِ مثل عناوينِ بعضِ الكتبِ المفيدة.

إذ يمكنُ للمدرِّبِ أن يكتسبَ ثقةَ العميلِ من خلال التعبيرِ عن التزامِه التامِّ بتحقيقِ النتائجِ المتّفقِ عليها،
وتبنّي الآليّاتِ اللازمةِ لذلك.

فبمجرّدِ أن يتأكّدَ للعميلِ من صدقِ نوايا المُدرّب وحرصِه على تحقيقِ المصلحةِ المشتركة،
سيفصحُ عن مكنونِ صدرِه، ويبوحُ بأسرارِه،
مما يُسهِّلُ من مهمةِ الأول، ويَخدمُ الثاني.

 

 

الطريقُ المسدود.

يلجأُ العملاءُ إلى المُدرِّبين حينَ يطولُ بهم الدربُ، ليصطدموا في النهايةِ بطريقٍ مسدود.
يحملُ هذا المصطلحُ بين طيّاتِه الكثيرَ من المعاني؛
فرُبّما يُشير إلى افتقارهم للشغفِ اللازمِ للمثابرة، أو إلى القدرةِ على التعلُّمِ واكتسابِ الخبراتِ الجديدة،
أو إلى غيابِ رؤيةٍ مستقبليّةٍ جليّةٍ وواضحة. وقد يستخدمُه بعضُهم لوصفِ محاولاتهم الواهيةِ لتحقيقِ أهدافِهم في الحياة،
والتي قد تنتهي بخيبةِ أملٍ مفجعة.

وانطلاقًا من هذا التنوّعِ في المعنى،على المُدرِّبِ أن يُحدِّد أولًا ما يقصده العميلُ بمصطلح "الطريق المسدود".
وتتراوحُ الإجاباتُ في معظمِ الأحيانِ بين الوحدة، والانعزال، والإهمال، وسوء الفهم، والافتقار إلى الحب، وعدم الاستيعاب.

ولا جدوى، في مثلِ هذه الحالات، من الدخولِ في مناقشاتٍ مُطوَّلةٍ حولَ صحةِ أو سوءِ تقديرِ العميلِ للموقف، أو وصفِه لحالتِه، لكن يبقى باستطاعتِك أن تمدَّ يدَ العونِ من خلال:

ابتكار أنشطة تمكّنه من توفيرِ الدعمِ والعنايةِ الشخصيّة وسبلِ الترويحِ عن النفس.
اكتشفا معًا النطاقاتِ والعلاقاتِ التي تؤرّقه، وابتكرا الاستراتيجياتِ التي تُلبّي احتياجاتِه في هذه النطاقات بشكلٍ واقعي.

تصميم مجموعة من الأنشطة تُؤدّي به إلى الاعتدال في طموحاته وتوقعاته،
مما يُجنّبه الإحباطَ وخيبةَ الأمل. فكثيرون يُفرطون في متابعة البرامجِ التلفزيونيّةِ التي تُضفي على الحياةِ لمسةً زائفةً من الكمال والجمال،
فيُصيبهم الواقعُ باليأسِ والإحباط.

مساعدته على تبنّي العاداتِ الإيجابيّة، كاتّباع الأنظمةِ الغذائيّةِ الصحيّة، وممارسةِ الرياضة، والحصولِ على قسطٍ كافٍ من النوم.

تمكينه من بناءِ شبكةِ علاقاتٍ قويّة تُعوّضه عن العزلةِ والدعمِ المفقود، وتُحقّق له التفاعلَ المنشود.
وقد لا تجمعه حاليًّا صِلاتٌ قويّةٌ بالناس، وفي مثلِ هذه الحالةِ يمكنكَ أن تُساعده على التواصلِ مع أقاربه وأصدقائه القُدامى،
مما يُضفي على حياتِه لمسةً من الحميميّة ويُشعره بدفءِ التواصُلِ والتلاحم، بدلًا من الانعزالِ والتشاؤم.

تقليص التوتّر من خلال دعمِه للابتعادِ عن الموادّ المُنبهة، والمنبّهاتِ الكيميائيّة، والشاشاتِ الإلكترونيّة قدرَ المستطاع.

حثّه على الاستعانةِ بأشياءَ تُغمرُه بالشغف، وتُعيد له إقبالَه على الحياة،
كالاحتفاظِ بصورٍ لأفرادِ أسرته وأصدقائِه المُقرّبين، أو بعضِ الزهورِ والنباتاتِ المنعشةِ داخلَ غرفته، وغيرها من الأشياءِ التي تُذكّره بمتَعِ الحياةِ التي تنتظره.

بمجرّدِ أن يتعلّمَ عميلُك كيف يعتني بذاتِه، ويُلبّي احتياجاتِه، ويعتدلُ في توقّعاتِه،
تتدفّقُ الحياةُ بسلاسةٍ وانسجام، فيكسرُ قيودَ عزلته، وينفتحُ على العالمِ المفعمِ بالفرصِ والإمكاناتِ وأسعدِ اللحظات.

والأهمُّ من ذلك أن يُفتح الطريقُ المسدود، ويرى في نهايةِ النفق أملَه المنشود.

 

هل ضاعتِ الجهودُ.. أم أنَّ الأملَ موجودٌ؟
تتوقّفُ برامجُ التدريبِ الشخصيِّ لأسبابٍ عديدةٍ. فقد ينسى العميلُ أو يتجاهلَ ما تعلّمه واكتسبه من خبراتٍ طوالَ البرنامجِ، ليُصابَ المدرّبُ باليأسِ والإحباطِ، ممّا قد يُشلُّ قدرتَه على الإبداعِ والابتكارِ، بل والاستمرارِ في البرنامجِ التدريبيِّ أيضًا. وسرعانَ ما يتملّكُ اليأسُ بعضَ المدربينَ، ليتخلّوا عن أدوارِهم، مُلقينَ باللومِ على عملائِهم "غير الملتزمين"، غيرَ مدركينَ أنَّ تلك اللحظاتِ جديرةٌ بأن تخلقَ التحدّيَ الذي طالَ انتظارُه.
قد تساعدُ الخطواتُ التاليةُ في تجاوزِ هذا المأزقِ:

استرجِعْ مقابلتَك الأولى مع العميلِ، وتَحاوَرْ مع المقرّبينَ له والمحيطينَ به؛ فربما أسأتَ فهمَ النقاطِ أو غابتْ عنكَ بعضُ الاعتباراتِ.

تأكّدْ من تمتّعِ عميلِكَ بالطاقةِ البدنيّةِ والعاطفيّةِ والنفسيّةِ اللازمةِ للاستمرارِ.

جدّدْ بيئةَ التدريبِ، كأنْ تتنزّهَا معًا في إحدى الحدائقِ، أو على شاطئِ البحرِ، أو في الطبيعةِ الخلّابةِ التي تُصفّي الذهنَ وتُريحُ الأعصابَ.

تلعبُ البيئاتُ المتنوّعةُ دورًا حاسمًا في تنبيهِ الوعيِ الذاتيِّ وتحريرِ العميلِ من التفكيرِ التقليديِّ والسياقاتِ النمطيةِ.

راجعْ مع عميلِكَ مراحلَ التدريبِ التي مررتُما بها، والوعودَ والالتزاماتِ المتّفقَ عليها مسبقًا، للبحثِ عمّا تمّ تجاهلُه أو أُسيءَ فهمُه.

أدمِجِ الأنشطةَ الضروريّةَ وجلساتِ التدريبِ، فبدلًا من إلزامِ العميلِ بالذهابِ إلى إحدى القاعاتِ الرياضيّةِ لممارسةِ نشاطٍ ما، تستطيعُ أن تُنظّمَ جلستَكَ التاليةَ في ذلك المكانِ.

نوّعِ المحتوى التدريبيَّ من حينٍ إلى آخرَ؛ فإنْ كان معرفيًّا بحتًا، زوّدْه ببعضِ الأنشطةِ البدنيّةِ. وإنْ كان موجّهًا إلى المشاعرِ والوجدانِ، حوِّلْه إلى طاقةٍ ذهنيّةٍ تُثمرُ عن أفكارٍ ماديّةٍ أو عمليّةٍ.

حفّزْ عميلَكَ على ممارسةِ الفنونِ، وزيارةِ المتاحفِ، والسفرِ، والاستماعِ إلى الموسيقى، وقراءةِ الشعرِ، وقرضِ الشعرِ، كي تتّسعَ مداركُه، ويتعرّضَ لخبراتٍ عديدةٍ تُسهمُ في تشكيلِ رؤيتِه الجديدةِ، وإثراءِ هويّتِه الفريدةِ.

 

درّب نفسَك.

كثيرًا ما يُباغِتُ العملاءُ المتدرّبونَ مدرّبيهم بوابلٍ من الأسئلةِ والاستفساراتِ التي تُشكّلُ تحديًا كبيرًا.
ولذا، على المدرّبِ أن يُطوِّرَ من ذاتهِ طوالَ الوقتِ، ليكونَ جديرًا بتلكَ المسؤوليةِ، ويُقدّمَ حلولًا جذريةً.
لا بدَّ أن تخضعَ مناهجُهم وأدواتُهم التدريبيةُ للتجديدِ والإنعاشِ، تجنُّبًا للرتابةِ التي قد تُصيبُ العميلَ والمدربَ بفعلِ الأنماطِ الروتينيةِ المتواترةِ.

 

 

 

نُقدّم فيما يلي نموذجًا فاعلًا من شأنه أن يُنَمِّي مهاراتِك وخِصالَك كمدرّبٍ محترف:

أولًا: المهارات.

الحوار:
تتطلب بعض البرامج التدريبية روايةَ القصصِ وضربَ الأمثلةِ، والكشفَ عن إحدى سماتك الشخصية.
ولا ضيرَ في ذلك، ما دمتَ تَبدَحُ وتُوجِّهُ لتُضفي على حياةِ عميلِكَ المزيدَ من السياقاتِ التي يرى من خلالها العالمَ بمنظورٍ جديدٍ ومختلفٍ.

الإصغاء:
يهدف الإصغاءُ أولًا إلى استيعابِ شخصيةِ العميلِ المتفرّدةِ وبيئتِه المحيطة،
وثانيًا إلى اكتشافِ أوجهِ العجزِ والقصورِ والمسبّباتِ الرئيسيّةِ للأزمةِ التي يتعرّضُ لها.

تجاوزُ الصعاب:
لكي تنتقلَ بالعميلِ إلى برِّ الأمانِ، وتتجاوزَ معه فتراتِ اليأسِ والإحباطِ،
يجب أن تَحمي نفسك أولًا من الانخراطِ العاطفيِّ المفرطِ والتأثُّرِ بالحالةِ الشعوريةِ للعميل.
كن مُبدعًا في ابتكارِ الحلولِ، ووصفِ الإمكانياتِ المتاحةِ، والاحتمالاتِ المفتوحةِ.

التنبؤ:
أيْ القدرةُ على استيعابِ الوضعِ الراهنِ للعميلِ، والتنبؤِ بمجموعةِ المهاراتِ والقدراتِ
التي من المُفترضِ أن يُتقنَها بنهايةِ البرنامجِ التدريبيّ.

 

ثانيًا: الخصال.

الصرامة:
على المدرّب أن يكون صارمًا في توجّهه، كي يعكسَ مصداقيتَهُ والتزامَهُ بأسمى المعاييرِ وأفضلِ النتائجِ.

 

الصبر:
وهو القدرةُ على مُجابهةِ المشاقِّ دونَ كللٍ أو مللٍ.
فالصبرُ من أهم أدواتِ المدرّبِ، ويَنبُع من استيعابِه لصعوبةِ وخطورةِ الدورِ الذي يلعبُه؛
فتغييرُ حياةِ الآخرينَ يتطلبُ وقتًا كثيرًا، وليس بالأمرِ اليسيرِ.

التناغم:
لكي تَكتسبَ ثقةَ عملائِك، يجب أن تعكسَ سلوكياتُك اليوميةُ مدى التناغمِ والاتّساقِ بين ما تُلزِمُهم به،
وما تتبنّاهُ في حياتِك الشخصيةِ من قيمٍ ومبادئ.

المرونة:
تختلف معدّلاتُ التأقلمِ والاستيعابِ من شخصٍ إلى آخرَ،
ولذا، يجب أن تتمتّعَ بالمرونةِ التي تُؤهّلك للتجاوبِ مع مختلفِ المواقفِ والعقلياتِ لتحقّقَ النتائجَ المأمولةَ.

 

ثالثًا: خطوات تطوير ذاتك كمدرب محترف.

قيّم ذاتك.
قارن نفسكَ بالأوصافِ والسماتِ السابقةِ، وفقًا لمقياسٍ يتراوح بين درجةٍ واحدةٍ إلى خمس درجات.
كن دقيقًا وصارمًا في تحديدِ مستواكَ الواقعيِّ.

حدّد وضعك الراهن.
ما الخطوات التي تتّبعها؟ وما مدى إتقانكَ لكل مهارةٍ أو خصلة؟ وهل تمارسها بفعاليةٍ حقيقية؟

حدّد أهدافك المستقبلية.
كيف سينعكسُ إتقانُك لكل مهارةٍ أو خصلةٍ على سلوكياتِك وتوجّهاتِك؟
ارسم أهدافًا واضحةً ومتماسكةً تَكفُل لكَ الانتقالَ الآمنَ من الحاضرِ إلى المستقبلِ.

ابنِ جسورًا للانتقال الآمن.
راقِبْ سلوكياتِك، وقيّمْ ممارساتِك وفقًا لمعاييرَ مرنةٍ ومتناسقةٍ تعكسُ خبرتَكَ ومهارتَك.

احط نفسك بدائرة دعم.
تكوّن هذه الدائرةُ من خبراءَ معتمدينَ وجديرينَ بالثقةِ، يُشكّلونَ مصدرًا للدعمِ حين تتملّكك مشاعرُ اليأسِ والإحباطِ.

التزم بإطارٍ زمني.
حدّد مواعيدَ لإنجازِ المهاراتِ والخصالِ.
الإطارُ الزمنيُّ الصارمُ يُضفي على برنامجِكَ نوعًا من الالتزامِ والمتابعةِ المنتظمةِ للتقدّمِ.

 

مدرّبون بالفطرة.

مَن منّا لم يتمنَّ لو كان بمقدوره أن يمدَّ يدَ العونِ للناسِ من حولهِ؛
فيُساعدهم على تحقيقِ أهدافِهم، ومُلامسةِ أحلامِهم؟

تتأصّلُ هذه النزعةُ الإنسانيةُ للإرشادِ والتوجيهِ والتدريبِ فينا نحنُ بني البشر؛
ما بين آباءٍ يرعونَ أبناءَهم، ومعلّمين يُمكِّنون طلابَهم، وقادةٍ يُلهِمون أتباعَهم،
وأصدقاءَ يشدّون أزرَ من حولَهم.

لكنْ، وحتى لا تتسبّبَ هذه النزعةُ النبيلةُ — إذا أُسيءَ توجيهُها
في مخرجاتٍ عكسيّةٍ قد تُدمّرُ بعضَ قدراتِ النفسِ البشريّةِ، كما حدث في كثيرٍ من التجاربِ الفاشلةِ حولَ العالمِ،
فلا بدّ من صقلِها بالمهاراتِ، وتهذيبِها بالخبراتِ، التي تُؤهّلنا لاستيعابِ الآخرينَ
وإدراكِ الدوافعِ الداخليّةِ لعملائنا وزملائنا ومُتدرّبينا.

ومن ثمّ، ابتكارُ حلولٍ تُضفي على عالمِنا المثقلِ بالفوضى والعبءِ،
لمسةً من النظامِ، والاتّساقِ، والجودةِ، والموضوعيّةِ.

 

 

 

 

وفي المقابل، سيتمخّضُ تمسّكُنا بالقيمِ المهنيّةِ، والتزامُنا بالمبادئِ التربويّةِ والتدريبيّةِ، عن:

أسرٍ بنّاءةٍ.

فرقِ عملٍ فعّالةٍ.

مؤسّساتٍ قويّةٍ.

ومجتمعٍ ذي طاقةٍ إيجابيّةٍ.

وعالمٍ أفضل، ومستقبلٍ أمثل.

 

التدريب الموجّه لا يتوقف بانتهاء جلسة أو انتهاء برنامج. إنه امتدادٌ لرؤيةٍ إنسانيةٍ ترى في كل فرد طاقةً كامنة، وفرصةً للتحوّل.
وحين نُدرّب بوعي، ونرشد بإحساس، ونتفاعل بحب ومسؤولية، فإننا لا نُغيّر الأفراد فحسب، بل نُسهم في بناء أسرٍ أكثر تماسكًا، ومجتمعاتٍ أكثر وعيًا، ومستقبلٍ أكثر إشراقًا.

كن أنت المدرب الذي يُصغي بصدق، ويُلهم بعمق، ويقود بالتزام.
وابنِ مع عملائك جسورًا من الثقة، لا تُمحى… وأثرًا لا يُنسى.

 

تعليقات